| |
توظيف عاملي الزمن والضغوطات الخارجية في (قمة جابر) د. صالح بن سبعان (*)
|
|
تحتضن الرياض بدفء وحنو قادة مجلس التعاون، في ظروف بالغة التوتر وسخونة حارقة تنبعث من بؤر التوتر في المنطقة تهدد بإشعال حرائق لا تُبقي ولا تذر في أرجاء العالم، والخليج في القلب من هذه الحرائق التي لا تكاد تستثني قارة. حرائق، وإن كان بعضها غامضاً، ومجهول مصدر بعضها ومعلوم وواضح مصدر بعضها الآخر.. إلاَّ أنها واضحة الأهداف. ولا يملك المرء إلا أن يتطلع إلى القادة الخليجيين الستة وهم يعقدون (قمة جابر) أمس واليوم في ظروف تاريخية ضاغطة مثل هذه، فبغض النظر عن التداول حول قضايا تتطلع أعين مواطنيهم وتهفو قلوبهم إلى ضرورة البت فيها بسرعة، لأنهم ظلوا يرقبون البت فيها وحسمها قمة بعد قمة منذ قيام المجلس قبل ربع قرن في عام 1981. وهي قضايا تتصل مباشرة بإجراءات توحد دولهم وتجعل الخليج بيتهم الكبير الواحد، ويتوقون إلى رفع القيود والحواجز اللامعقولة التي تحد من حركة التنقل بين أرجائه، وتقيد حركة التعليم والعمل والعلاج، وتضع العراقيل أمام حركة رؤوس الأموال بين دوله، في وقت يسعى فيه الجميع بجد لجذب واستقطاب الاستثمارات من خارجه، بينما تتسلل رؤوس امواله للإستثمار خارجه.. في الوقت الذي يتطلع فيه المواطن الخليجي إلى عملة خليجية واحدة، ولا يفهم سبباً مقنعاً يحول دون ذلك، وقد تحقق في المنظومة الأوروبية التي لا يجمع دولها وشعوبها ما يجمع أهل البيت العربي الخليجي. نعم قادة المنطقة على وعي تام بتطلعات شعوبهم، فهم ليسوا بعيدون عن نبض أحلامها وما تصبو إليه. إلا أن العوامل الضاغطة جراء المناخ السياسي الذي ينذر بالتفجر في المنطقة والدول التي تحيط بها ربما -نقول ربما- تؤثر بهذا القدر أو ذاك من درجة الاهتمام التي علينا أن نوليها بشأن خطوات توحيد البيت الخليجي، التي ينبغي أن يُنظر إليها، في ضوء الأخطار الخارجية المحيطة به، بشيء من الأهمية. - فالأوضاع المتفجرة على مدار الساعة في العراق الجريح. - واحتمالات تفجر النزاع الدولي/الإيراني حول برامج الأخيرة النووية. - والتوتر اللبناني المرشح للانفجار المفتوح على كل الاحتمالات. - وقبل كل ذلك وبعده العقدة الفلسطينية التي تشابكت خيوط قواها السياسية والاجتماعية بدرجة تساوت تهديداتها مع تهديدات الكيان الصهيوني الغاصب ومشروعه الاستئصالي. فإذا أضيفت إلى كل العوامل المهددة هم الإرهاب وسيفه المسلط على رؤوس الجميع تكتمل دوائر الخطر بشكل يدعو للقلق حقاً. ولكن دعونا ننظر إلى عوامل الخطر والتهديد بطريقة أخرى. لأن السياسة كانت دائماً هي فن اللعب على (الخيارات) والعمل على خلق المزيد منها لتوسيع دائرتي (الفعل) والمناورة السياسيين. وعلى ذلك فإن باستطاعة قادة دول مجلس التعاون توظيف هذه الظروف الضاغطة بالتركيز على ما من شأنه التسريع في تقوية وتعزيز الخطوات الوحدوية التي تشد أجزاء الجسد العربي الخليجي بقوة تجعله أقوى تماسكاً وأصلب عوداً. لأن قوة وصالة تماسك الجبهة الداخلية هي الخيار الوحيد والأمثل لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، والأخيرة على وجه الخصوص. وهذا الرد العملي على التحديات التي تلقى بظلها الثقيل على (قمة جابر) سيقوم بعملية استثمار لعامل الزمن في صالح تعزيز وتقوية الجبهة الخليجية الداخلية، تحت ضغط هذه الظروف والتهديدات وحتمية وضرورة التصدي لها بقدر أكبر من السرعة لأن كرة ثلجها المتدحرجة ما فتئت تكبر. وبالتالي فإن الخروج بقرارات تنفيذية حاسمة وقاطعة -وهذا هو المتوقع- تبت في شأن قضايا التوحيد الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتعليمية أصبح البت القاطع فيها ووضعها موضع التنفيذ العاجل هو الاستجابة الوحيدة لتحقيق آمال وأحلام شعوب الخليج العربية في الاندماج الأخوي الحميم، عودة إلى القاعدة الطبيعية والأصل الموضوعي والفطري. كما أن الخروج من هذه القمة بالقرارات الوحدوية يشكل البوابة والمدخل الوحيد لمواجهة هذا السيل الجارف من التحديات والحرائق المشتعلة وتلك المرشحة للاشتعال في منطقتنا. هذا هو مفتاح المعادلة لحل عقدة: تسارع الإيقاع الزمني وضغط تحديات المرحلة الخليجية الراهنة.
(*) أكاديمي وكاتب
em:dr_binsabaah@hotmail.com |
|
|
| |
|