| |
في (اليمامة) و(أخَواتِها).. تتكرَّر (المَشَاهد) وتتوحَّد (المَقاصِد)..! حمّاد بن حامد السالمي
|
|
في عام واحد تقريباً، تعرض المنبر الثقافي السعودي الذي يحاول جاهداً، فك أردانه، ونفض الغبار عن أجفانه، إلى عدد غير قليل، من (تصرفات) غير مباركات..! رأينا كيف استهدفت إحداها، معالي الشيخ (عبد المحسن العبيكان) في منطقة عسير، في محاضرة له هناك، واستهدفت الثانية محاضرين وناشطين من السعوديين والضيوف، في البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب الدولي في الرياض، وجاءت الثالثة ضد شخص الدكتور (حمزة المزيني)، في نادي الطائف الأدبي الثقافي قبيل رمضان، ثم تعرض محاضرون ومنتدون في نادي المدينة الثقافي لتصرفات مماثلة، وتعرض شخص الزميل الأستاذ (قينان الغامدي) لذات التصرفات إياها في مدينة بالجرشي، وواجه نادي مكة الثقافي، تدخلات شبيهة، وتأتي (أحداث اليمامة) قبل عدة أيام في كلية اليمامة بالرياض، لتكرس السؤال الذي أشبعناه ترديداً: (ثم ماذا بعد..؟!). * إلى أين نحن سائرون يا ترى..؟! * ثم.. ماذا يخبئ لنا المستقبل، من تصرفات غير مباركات، إذا لم تُتَّخذ إجراءات صارمة، توقف محاولات التسلط على المشروع الوطني الثقافي، وتجعل من الحوار الوطني القائم وسيلة مختارة للتفاهم بين كل الأطراف في البلاد، في كل ما هو مختلف ومؤتلف، ونبذ هاجس الوصاية القميء الذي تسعى أطراف دون غيرها لفرضه بالقوة على المشهد العام لهذا المجتمع. * يستطيع المتابع اليقظ، لمثل هذا التشغيب في الساحة الثقافية السعودية، أن يربط بين مشاهدها ومقاصدها كلها، وأن يكتشف بكل بساطة، أن وراء الأكمة ما وراءها، ذلك أن الحملات المضادة ضد المناشط الثقافية في البلاد، عادة ما تأخذ شكل الموجات الموجهة بتنظيم محكم، وترتيب متقن، فالصورة الحزبية في هذا السلوك المشين واضحة، والخبرة الحركية في طريقة تنفيذه أوضح، والضحايا هم من المغرر بهم من صغار السن، وممن يتسمون بطلاب علم، وكثير من هؤلاء وأولئك، لا ناقة له ولا جمل، في الطرح الثقافي، ولا يدرك أساليبه، ولم يسمع قط عن مدارسه، ولا يعرف شيئاً عن رموزه، ولم يقرأ لواحد منهم كتاباً أو رأياً في يوم من الأيام، فهو مجرد فرد من نسيج أحادي، تربى ونشأ بذهنية تتحرج مما هو مجهول، وتتحرز مما هو قادم، ويسهل قيادها وراء مرجعية واحدة، لم تعرف غيرها في حياتها. * تبدأ هذه التصرفات في العادة، بأولئك الموجهين الكبار الذين بيدهم وحدهم (ريموت) اللعبة، فهم يَسْتعدون الأفاضل من مجتمعنا الخير، إما بتزييف الواقع، أو بتضخيم ما هو واقع، أو بالتضليل المتعمد، وتشويه الصورة، وتوليد حالة نفسية من الحذر والخوف. * إذا لم ينجح هذا المسعى، يجري تمرير الخطة من خلال مرحلة الحشد، عن طريق (ساحات) الفتنة، أو رسائل الجوال: (احشدوا عليهم.. أكثروا عليهم.. أسكتوهم.. أخرسوهم.. عليكم ببني علمان..). إلى آخر أدبيات هذه المرحلة التي يغتر بها عدد من طلاب العلم البسطاء، وينجر خلفها قليلو المعرفة. * تأتي المرحلة الثانية، بالحضور الكثيف، وتقدم الصفوف، واحتلال مقاعد الضيوف، ثم توزيع الأدوار، وسرعان ما يبدأ العمل مع انطلاق المحاضرة، حيث تبدأ عملية مقاطعة المحاضر، والتشويش والتشغيب عليه، إما بالتهليل والتكبير، أو بإطلاق كلمات محددة لاستفزازه وإيقافه. وهذه دلالة واضحة على أن من يقوم بمثل هذا في محفل ثقافي، ليس له بضاعة فكرية، ولا خلفية ثقافية، تفرض عليه الأخذ بآداب الحوار، والتزام أدب المحاورة، فالتعبئة المسبقة، وشخصنة الموضوع، واستهداف المحاضر لا المحاضرة، ترفع من أسهم التصنيف، حتى ترتفع الأصوات الحادة، بعد التحلق حول (المحاضر)، فهو حينذاك، إما علمانياً، وإما متأمركاً، وإما انبطاحياً، وإما ليبرالياً، بينما المنظمون مجال شك وريبة عندهم. * مثل هذه التصرفات تجري عادة، في محفل ثقافي، يزخر بنظريات ومدارس فكرية وأدبية، وتتقاطع فيه المساجلات والمطارحات والمداولات، بين متخصصين، وعلماء في فنهم، وكبار في قدرهم، في أجواء حبية رحبة، لولا هذا التعكير. * هل تغير شيء في هذا المشهد الذي يمارس أصحابُه تصرفات ضد ثقافة الوطن، وضد مفكريه ومثقفيه ومبدعيه وفنانيه؟ * الواقع يقول: لا، أبداً.. * فاللغة التي اتسمت من قبل بتهميش الآخر، بل إقصائه وتجريمه، وتحريم فعله الثقافي، هي.. هي. * والمشروع المبني على (وجوب) الوصاية الثقافية على المجتمع بأكمله، هو.. هو. * واستخدام العنف اللفظي، وحتى العنف البدني في بعض الأحايين، هو.. هو. * في الوقت الذي تسعى فيه المملكة - بكل قوة - إلى ترسيخ ثقافة الحوار في المجتمع، من خلال مشروعها الحضاري المتمثل في الحوار الوطني، وتحيل إلى موائده المختلفة، شتى القضايا الاجتماعية والفكرية والفقهية والسياسية، وتنجح قوى الأمن في إحباط كل محاولة إرهابية غادرة، يسعى (بعض) منا مع كل أسف، إلى شرعنة الإرهاب الفكري ضد المخالف، دون مراعاة لدين أو عرف أو سلطة قائمة، هي وحدها من يملك حق إزالة المنكر الذي يدعيه هذا (البعض) إن وجد هذا المنكر.
assahm@maktoob.com |
|
|
| |
|