| |
مسيرة الوحدة والتنمية في دولة الإمارات أ.د. رفيعة عبيد غباش / رئيسة جامعة الخليج العربي
|
|
في زمن تتسارع فيه وتيرة الأحداث، وتتحرك فيه الدول الكبرى نحو تحقيق أهدافها، وتتعاظم فيه التحديات التي تعترض الدول الصغرى في سعيها لتحقيق الأمن والتنمية. تحتفل دولة الإمارات بالعيد الوطني الخامس والثلاثين، لكن معرفتنا بمعطيات المناخ الدولي والإقليمي تحملنا إلى ما هو أعمق وأبعد من الاحتفال بهذه المناسبة. إننا مدعوون اليوم لقراءة تجربة وحدوية وتنموية عربية رائدة لتحديد الدور المحوري للقيادة السياسية لسمو الشيخ زايد في بناء الوحدة وتحقيق التنمية. هذا القائد الذي ارتبط اسمه بصفحات ثرية من المنجزات الوطنية الصادقة والمواقف النبيلة التي لم تبدأ فقط منذ توليه رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971م بل منذ أن حمل المسؤولية حين كان حاكماً لمدينة العين والمنطقة الشرقية في عام 1946م، ثم توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس عام 1966م. في كل تلك المراحل، اتسم نظام حكمه وإدارته لشؤون أمته برؤية ثاقبة وحكمة متوازنة وقدرة على بسط الأمن والسلام والنظام. ليس عبر تنفيذ القوانين فقط بل عبر تواصله الإنساني وقدرته على التوفيق بين جميع الأطراف والفرقاء بالحكمة والشجاعة وبعد النظر، فكان صلباً عندما يحتاج الموقف إلى الشدة، وليِّناً عندما يتطلب الأمر انحناءة قليلة أمام عاصفة تهب فجأة من هنا أو هناك. لقد أدرك سموه رحمه الله في ذلك الزمن المبكر عِظَم التحديات التي تواجه المنطقة، ورياح التغيير التي تعصف بها، فآمن سموه بضرورة التغيير وأصر بعزيمة صلبة على أن يبادر بإحداث التغيير ويمسك بزمامه ويوجه بوصلته. لقد أدرك سموه أن لكلٍ مشاريعه ومصالحه في المنطقة، وأن خروج بريطانيا منها سوف يترك مستقبلها مفتوحاً أمام خيارات عدة. لكن سمو الشيخ زايد بادر بإرادة القائد المؤمن بالوحدة وبأنها المخرج الوحيد لهذه المنطقة الذي يمكن أن يجنبها ويلات التجزئة والصراع ويوفر لها أرضية مستقرة تسمح لها بالتنمية والتقدم. وبقدر قناعة سموه بالوحدة بقدر ما تمتع رحمه الله بنظرة واقعية للأمور جعلته يدرك التحديات التي تعترض مشروعه الوحدوي ويعمل على تذليلها. ويدرك في الوقت ذاته ما توفر لمشروعه الوحدوي من مقومات (تاريخية واجتماعية وجغرافية واقتصادية) ويحسن استثمارها لصالح الوطن والمواطن. لقد جاءت مبادرته التغييرية بضرورة تجاوز حالة الفرقة بين هذه الإمارات وبدء مسيرة الوحدة من خلال مساعي سموه رحمه الله ومباحثاته مع قيادات المنطقة في مباحثات الاتحاد (الثنائي والتساعي والسداسي والسباعي)، لتضع اللبنة الأولى لمسيرة الوحدة والتنمية في دولة الإمارات. واهتدت حكمة سموه بأن مشروعا تغييريا كهذا لا بد أن تسخر له كل الظروف والإمكانات لإنجاحه وتذليل الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تعترضه. فانطلق رحمه الله بقوة وسخاء لإنجاح هذا المشروع جاعلا من الحوار والديمقراطية منهجا في إدارة مباحثات الوحدة مع إخوانه حكام الإمارات، وحرص على أن تكون الصيغة الاتحادية صيغة مرغبة لحكام الإمارات للانضمام إلى الاتحاد فهو اتحاد يضيف للأعضاء المكونين له فرصاً للأمن والتنمية دون أن ينتقص من صلاحيات كل منهم في نطاق إمارته. وجاء عطاؤه المعنوي والمادي للمشروع الوحدوي عظيماً بقدر عظم مبادرته الوحدوية، إذ تحملت إمارة أبوظبي ميزانية الدولة الاتحادية بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة متيحاً لمواطني دولة الإمارات فرصاً متساوية للتنمية والرفاهية والاستفادة من السياسات العامة للدولة. لذا فإننا معنيون اليوم، ونحن نحتفل بالعيد الخامس والثلاثين بدولة الإمارات، بقراءة الدور المحوري لسمو الشيخ زايد رحمه الله في مسيرة الوحدة والتنمية وإعادة تلك المسيرة إلى سياقها التاريخي وقراءتها ضمن ذلك السياق للوقوف على التحديات التي اعترضتها والمعطيات التي توفرت لها وكيف تعاملت القيادة السياسية بحكمة مع ذلك كله لإنجاح هذه المسيرة الوحدوية والتنموية الرائدة. وسوف تتم قراءة هذه المسيرة الوحدوية والتنموية والدور المحوري للقيادة السياسية فيها من خلال المحاور التالية: المحور الأول: البناء السياسي لإمارات الخليج بين الاستمرارية والتغيير. المحور الثاني: زايد وإرادة التغيير. المحور الثالث: زايد ومشروع الوحدة. المحور الرابع: زايد ووضوح المشروع التنموي. 1- البعد الإنساني للتنمية. 2- التنمية ببعدها القومي. 3- الاستقرار السياسي كشرط لإحداث التنمية. 4- العلاقة التعاونية بين الحاكم والمحكوم كأساس للتنمية.
|
|
|
| |
|