* كتب - علي المفضي:
لا خلاف على أن لغناء الشعر دوراً بارزاً في إيصال الكلمة بشكل يختلف عن وصولها عن طريق التدوين أو النشر، إذ تتخذ القصيدة بعداً آخر من الجمال والوصول إلى أذن المتلقي، وأظن أن الغناء إذا وفق بلحن جيد وأداء متميز ربما أعطى حتى لغير الجيد من الكلام نوعاً من القبول، ومن يستطيع فصل الغناء عن الكلام أثناء الاستماع أو يبحث عن جمال الشعر داخل الأغنية إذا دونت كقصيدة يجد أن الذي كان يعجبه ليس الكلام إنما صوت المغني وأداؤه الذي كان له الدور في إقناع المستمع.. إن ما كان يسمعه شعراً جيداً.
وقد ارتبطت أسماء عدد من المغنين ارتباطاً وثيقاً بعدد من الشعراء حتى رسخت ثنائية كلمات بعض الشعراء بأصوات بعض الفنانين، ومن كان يسمع أغنية.
ما دروا باللي شغل فكري وظني |
وما أحدثته من ضجة عارمة حين غناها محمد عبده وما تلاها من قصائد شدا بها للشاعر خالد الفيصل كما لا يفوتني أن ألمح إلى أغنية:
من بادي الوقت هذا طبع الأيامي |
عذبات الأيام ما تمدي لياليها |
أو أغنية (من خصايص عنود الصيد) أو أغنية:
اسابق الساعة وتسبقني الساعة |
تقضي وانا توني باول ثوانيها |
أو أغنية
هي تمون العين العين ولا ما تمون |
وغيرها ورغم كثرتها، فقد كان التوفيق والنجاح حليفاً لأغلبها.
أما الشاعر أحمد الناصر الشايع فقد أشعل بقصائده الرائعة وجدان وذهن مستمعي الفنان سلامة العبدالله وهو يتغنى بروائعه التي ارتبطت بقلوب محبي أحمد وسلامة، فمن يستطيع أن يمر مروراً عابراً بأغنية؟
هل دمعي على خدي نهار الوداع |
يوم قالوا فمان الله جاني بلاي |
صرت مثل الغرير اللي بسن الرضاع |
اتضيم واصيح صياح من غير راي |
وهذا الوصف الدقيق للحظات الوداع المرة التي لا يكاد يخلو قلب من المرور بها مع من أحب، وكأن أحمد الناصر اتفق مع صوت سلامة العبدالله على ما بقي من جلد المودع على الصبر وكتمان التأثر في ساعة كتلك أو أغنية.
الاياونتاه اللي من الفرقا برت حالي |
كما بري الدبا الغصن الوريق اللي على حله |
وغيرها كثير من القصائد المدهشة التي كان لانسجام الكلمة واللحن فيها الأثر الواضح على رسوخها في القلب والعقل والدلالة على جمال الذوق والتذوق للشعر الجميل والغناء العذب.
وإنه لمن نافلة القول أن نذكر ارتباط اسم راشد بن جعيثن مع صوت الفنان الراحل فهد بن سعيد - رحمه الله - من خلال أكثر من مئة أغنية ما زالت راسخة في ذاكرة الأغنية الشعبية وارتباط صوت الفنان حمد الطيار مع كلمات محمد العثيم التي تجاوزات العشرات وكونت الرصيد الأكبر من أرشيف الطيار كأغنية.
مرحوم يا قلب قضى طاوي الشوق |
عسى المطر يرويك ويبل الارماق |
وكذلك أغنية
يا عطاشا عطاشا والموارد بعيدة |
والثريا حداها سهيل يم المغيب |
كما لا يفوتني أن أذكر الطرح الثنائي الرائع والانطلاقة الجميلة لقصائد الشاعر عبدالله العليوي رحمه الله، وصوت الفنان عبدالله الصريخ من خلال قائمة الأغاني الرائعة التي تجاوزت العشرات حتى إن قارئ ديوان العليوي يكاد يقرؤه عن ظهر قلب، إذ غنى عبدالله الصريخ كثيراً منه مثل أغنية:
شفتك مع اللي صار عقبي حبيبك |
واحتارت العبرة بعيني وصديت |
وأغنية:
ذكرتني حبك وأنا أقول ناسيه |
وأغنية:
خلني بالعمر اضحك لو ثواني |
وإنني أجزم أن جمال أصوات المطربين الذين ذكرتهم لم تكن سبباً في نجاح القصائد التي تغنت بها، إنما كان النجاح مناصفة بين الشاعر والفنان أثرى الساحة الفنية بالرائع من الشعر من خلال المبهج والمشجي من الأصوات.
ali666@hotmail.com |