| |
سليمان الراجحي نموذجاً بعث (صناعة الأفكار) من جديد (4- 4) د. زيد المحيميد/ عميد الكلية التقنية الزراعية
|
|
ذكرنا في المقالة السابقة بعض النماذج الحديثة في مجتمعنا التي تتسبب في جفاف خزانات الأفكار الإستراتيجية لدينا، مما يؤثر سلباً على قدراتنا التنافسية على تحقيق مراكز متقدمة لمواكبة المجتمعات الذكية، وفي هذه المقالة سنعرج على كيفية تغذية خزانات الأفكار الإستراتيجية وتوليدها وبث الحياة بداخلها لننطلق في اتجاه التنمية الشاملة كما كنا في العصور الإسلامية المجيدة والحضارة التي بناها العلماء العباقرة الذين صنعوا لأجيالهم الحياة الكريمة، فنحن بحاجة ماسة إلى خزانات للتفكير (Think Tanks)، لتقود المجتمعات وتسلك بها طرقاً تقودها إلى الجودة في جميع الميادين والقطاعات بلا استثناء، فلا يليق بأمة جادة عازمة على النهوض أن تفكر بعقول غيرها! هناك الكثير من العوامل الأساسية والفعالة التي من شأنها التفاعل فيما بينها لتوليد آليات تطبيقية تزيد قدراتنا على الإفادة من خزانات الأفكار الإستراتيجية ومن أهمها - في نظر الكاتب - ما يأتي: 1- الصبر وتحمل المشقة، فالذين نشروا مبادئهم عبر التاريخ وبثوا أفكارهم بين الناس على الرغم من أن منهم لم يسلموا من سلاطة ألسنة بعض محطمي الأفكار، فإنهم تحملوا هذا البلاء فكان لهم ما أرادوا، وأصبحوا رموزاً بالغة التأثير على حياة الناس لسنوات عديدة حتى بعد مماتهم ولنا في حياة المفكر (ابن خلدون) خير دليل. 2- حداثة الوسائل تؤدي إلى إحداث تطوير في المجتمع بشرط امتلاكه القدرة على توظيف قدراته الذاتية وعدم الإفراط في الاستعانة بالخبرات الخارجية، كما يؤكد الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه (حكاية الحداثة). 3- التأكيد على أنه لا يلزم من صناعة الأفكار أن يكون الإنسان حاصلاً على شهادة عليا كأن يكون أكاديمياً أو مهندساً أو باحثاً ونحو ذلك، بل صناعة الأفكار مرتبطة بجودة عملية التفكير لدى الإنسان، ومن النماذج الوطنية المضيئة الشيخ سليمان الراجحي حيث فجر أفكار ابتكارية تخدم الاقتصاد الوطني، فهو صاحب التجربة الرائدة في مجال الأعمال المصرفية الإسلامية، كما أنه صاحب أكبر مشروع للدواجن في المنطقة وهو مشروع الوطنية، بالإضافة إلى مشروعاتنا جبارة في الزراعة والمقاولات وغيرها. 4- عدم الاشتغال بالجزيئيات وصغار الأمور وهذا ما يؤكده الدكتور عبدالكريم بكار بقوله: (إن اشتغال الناس بالجزيئيات، والأمة تجتث من جذورها من أعظم الخيانة لها وللمنهج الرباني الذي كُلفنا بحمله)، وهذا ما نشاهده من إضاعة الطاقات والأوقات في مجالات عديدة مع أننا لسنا بحاجة إليها في الوقت الراهن وإنما بحاجة لاستشراف مسارات المستقبل ودروبه. 5- تربية وبناء الفرد الصالح والتركيز عليه، وعلى الجوانب الإيجابية في النفس البشرية، لتحريك الخير الكامن في النفوس، وفي نفس السياق يقول الدكتور سلمان العودة في كتابه بناء الفرد: (لأن هؤلاء الرجال قوام الحياة، فإذا صلحوا صلحت، لكن إذا انحرفوا أو فسدوا أو مالوا إلى الدنيا أو تأثروا بالمتغيرات من حولهم فسدت الأرض بفسادهم)، وقد نظم على هذا المعنى بعض السلف فقال: يا معشر القراء يا ملحَ البلد ما يصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد 6- الاهتمام بالعلم والمعرفة باعتبارهما من عناصر القوة اللازمة للنجاح في عملية المنافسة الدولية الاقتصادية عن طريق عملية تكاملية بين الجامعات ومراكز البحوث مع عمل المؤسسات التعليمية والاقتصادية بواسطة جمع المعلومات من قبل الباحثين وتحليلها وتشخيصها ومن ثم مناقشتها في ورش عمل متطورة ونقل المحصلة النهائية إلى صناع القرار في تلك المؤسسات العلمية والاقتصادية، أي أن القرار يبدأ عن طريق صناعة الأفكار والمناقشات وينتهي أعمالاً وممارسات إذا وجدت الدعم اللازم، وهذا يجسد المعنى الذي نختاره لما يسمى بخزانات الأفكار. 7- ازدهار الحياة الاقتصادية وإقامة المنشآت الجبارة والمرافق العامة الحيوية، وهذا ما نلمسه في وقتنا الراهن بمملكتنا الحبيبة. 8- دعم العقول الذكية الوطنية المسلحة بالمنهج وبالخبرة والمعرفة الممتازة، وجذب واستقطاب العقول الوطنية والعربية والإسلامية -وجامعة الملك عبدالله التقنية نموذج في هذا المجال- المهاجرة، وتوفير الأدوات اللازمة لها. 9- إقامة جائزة سنوية لأفضل من يصنع الأفكار ويبثها في شرايين الحياة ليصنع لوطنه المجد، فمن يعلق الجرس لتأسيس تلك الجائزة. 10- من واجب المفكرين والمنظرين وأهل كل التخصصات العلمية أن يشيعوا في الجماهير المسلمة مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح واليسر، وأن يقاوموا نزعات الغلو التي تجتاح كل الشرائح والفئات وكل الدوائر والتخصصات. (المناعة الفكرية للدكتور عبدالكريم بكار). ما سبق ذكره مجرد حزمة من المفاتيح لتغذية خزانات الأفكار وبناء الاتجاهات الإيجابية وتقليل الممارسات الخاطئة التي ننتهجها في واقعنا المعاصر ولاسيما أن تلك المفاتيح -مع التوكل على الله- تؤدي إلى إحلال الوحدة محل الفرقة، والقوة محل الضعف، والاستقرار بدل الإضراب، والشعور بالمسؤولية بدل الأنانية، والانتصار بدل الهزائم. كل ذلك من أجل أن نرسم لمجتمعنا طريق المستقبل.
zeidlolo@hotmail.com |
|
|
| |
|