| |
لعلّه من الملاحظ، ومما يلفت انتباه المطالع والمتابع في مسألة أمريكا، أن التقييم البالغ الحدة والنقد العنيف للتجربة الأمريكية وعلى مختلف جوانبها التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، يأتي بالدرجة الأولى أمريكيا، أي من أصوات ناطقة ومعبرة من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها. ذلك أن الفجوات الناشئة والطافحة بين دفتي الصراع المرير للاحتكاكات الإمبريالية فيها، وعلى امتداد ميادين تنازعها الشرس، يتيح فرصة نادرة لصحوة أو يقظة احتمالية، لبعض العقول المتنبهة. وإذا كانت أصوات كثيرة في العالم من أوروبا وآسيا وأفريقيا، قد ارتفعت وتزايدت مع تعاقب السنين لتلتقي جميعها عند التعبير بالشعور بالمرارة والخيبة إزاء هذه التجربة الأمريكية. فإن يكون لوجهة النظر الأمريكية في التجربة الأمريكية مميزاته الخاصة وتركيبته القائمة بذاتها، من واقع التجربة نفسها، ومن صميم المعايشة المتعمقة لها. وحيث يطرح المنظور الأمريكي ويقدم الصورة الأمريكية على وجهها الصحيح، وبالواقع الموضوعي الذي تقوم عليه وبمعزل عن ذلك البريق الدعائي والإعلامي الذي ظهرت أمريكا به على العالم، على أنها الدنيا الجديدة، الأكثر سعادة والتي لا تعرف الفقر ولا الحرمان ولا الكآبة ولا المرض وتعيش في كنف عدالة آمنة. فلا عنف ولا جريمة ولا إرهاب، ولا ابتزاز أو قهر. وإنما بفرص متكافئة وحرية ورغبة طموحة في التقدم. بيد أن هذه الصورة المزيفة والطافحة ببريق الأماني التي طرحتها أمريكا سرعان ما ظهرت على حقيقتها. إن المعلومة المشهورة والمتداولة كثيراً عن أمريكا، تقول بأن خمسمائة عائلة رأسمالية، هي التي تسيطر وتتحكم في مصائر ملايين البشر في أمريكا، وملايين البشر خارجها عن طريق احتكاراتها الممتدة في العالم، فهي ليست صادرة من موقع معاد لأمريكا أو لغرض التشهير بها، وإنما هي واردة وبكامل حيثياتها وتفاصيلها في كتاب أمريكي، ولمؤلف أمريكي. في كتاب اسمه (الأغنياء وأغنى الأغنياء)، ومؤلفه الأمريكي هو (فيردناند لوندبيرج)، إذ يسرد بتفصيل موسع وموثق قصة السيطرة الاحتكارية للرأسمالية الأمريكية داخل أمريكا والمتكونة من خمسمائة عائلة تناقلت وتوارثت الثروة والمال والجاه والنفوذ وتمتلك أيضاً قوة التحكم والتسلط وإدارة وتنفيذ دفة العنف تجاه كل الخصوم وإزاء كل من يقف في طريقها. ويفند المؤلف في كتابه، تلك الفكرة التي طرحتها أمريكا، بشكل دعائي موسع على العالم والتي سبق الإشارة إلى شيء منها، حول الدنيا الجديدة السعيدة التي لا تعرف الفقر ولا الفقراء ولا العوز أو الحاجة، ويحلل ما تحتويه من زيف وأكاذيب، ملفقة وغير صحيحة، ولا تعني غير قشرة مضللة خارجية. وأخيراً، فلقد انتبه الأمريكيون -أنفسهم- إلى ذلك، وتفهموا حقيقة الدور الأمريكي الكريه ومحنة ومرارة الواقع الذي يعيشونه تحت سيطرة وسطوة الاحتكارات وظهر الاستياء الأمريكي صريحاً وقوياً في العديد من الكتابات الأمريكية والتي ظهرت كمقالات ودراسات، ونشرت أيضاً في كتب، منها ما جرى جمعه وحجبه بعد طبعة وتداوله بين الناس. والمحاور التي يدور حولها التقييم الأمريكي تتمثل في: (1) دور الاحتكارات الأمريكية وسطوتها واستغلال نفوذها المالي والسياسي. (2) الدور السياسي والعسكري الذي قامت به الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، وبخاصة مع التدخل الأمريكي السافر في كوريا والهند الصينية وغيرها ومازال التدخل الأمريكي العسكري مستمراً. (3) ترابط الصفقات المالية المريبة مع تزايدة وارتفاع حجم الجريمة والعنف. وغير خاف أنه في أمريكا يتداخل ويتشابك كثيرا مدلول المال وجمع الثروات الضخمة والتكالب عليها، مع الجريمة والعنف، والحكمة الأمريكية التي تربط بين المسدس والدولار لم تأت عبثاً أو مجرد مصادفة، وإنما هي في الحقيقة تجسد ذلك الواقع القائم بينها، وليس من قبيل المبالغة أن يتحدث الكثير من الدارسين والمعلقين حول أمريكا فيصفها بأنها حضارة المسدس والدولار. ختاماً أقول إن المال وجمع الثروات من ناحية والجريمة والعنف من ناحية أخرى، في التجربة الأمريكية صنوان متكاملان، يشدهما ترابط متشابك وخفي أحياناً!! المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي- عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية عضو جمعية الاقتصاد السعودية
|
|
محمد الجمعة.. الصابر المحتسب ماجد بن عبدالله الماجد - مدير متوسطة عوف بن الحارث
|
|
|
| |
|