| |
(فإن عيونهم معقودة بك) د. سعد محمد الفياض/ إدارة تعليم الرياض
|
|
يرى علماء التربية أن القدوة أعظم وسائل التربية، فيقيم تربيته الدائمة على هذا الأساس، فالطفل لا بد له من قدوة حسنة في أسرته ووالديه ومجتمعه، يتشرَّب منذ طفولته المبادئ الفاضلة، والمُثل العليا، والخصال الحميدة.. فالتلميذ في المدرسة لا بد له من قدوة حسنة يراها في كل معلم من معلميه ليقتنع حقاً بما يتعلَّمه، وليرى فعلاً أن ما يطلبه منه من السلوك المثالي أمر واقعي ممكن التطبيق، وأن السعادة الحقيقية الواقعة لا تكون إلا في تطبيقه.. قال عمرو بن عتبة لمؤدب ولده: (ليكن إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح ما تركت). يتضح من الوصية السابقة التي أوصاها عمرو بن عتبة لمؤدب أبنائه أهمية القدوة الحسنة، لأن هؤلاء الأطفال يرون أن الخلق الحسن عندهم هو ما صنع المؤدب والقبح عندهم هو ما تركه، لأن من طبيعة الطفل محاولة تقليد الذين يحبهم ويحترمهم ويتقمَّص شخصيتهم مثل الوالدين والمعلمين وغيرهم من مشاهير المجتمع، فعليهم أن يكونوا قدوة حسن لأبنائنا وشبابنا ومثالاً في الخير يُحتذى. أخي المعلم: أنت صانع الأجيال، والأمة ترى فيك الأمل بعد الله في أن تنتج لهم الجيل الذي تقوم عليه نهضة الأمة وأزدهارها، وأن ما تقدمه من خير وتوجيهات فيهما صلاح الفرد والمجتمع، ستجد بركتهما وأثرهما في الدنيا والآخرة.. أخي المعلم: أرجو أن تفتح لي صدرك وأن يتسع لي بالك، اعرف أن لك مشاعر وأحاسيس، واعلم أن حقك ومنزلتك عند بعض أفراد المجتمع قد هُضما، وأنك حُمّلت أعمالاً إدارية وكتابية ووجهت لك تعاميم!! زادت من أعبائك وربما شغلتك عن وظيفتك الأساسية وهي تربية الأجيال.. أخي المعلم: مهما قلت فيك وفي شأنك ومنزلتك فلن أوفيك حقك، ومهما بُذل لك من جاه ومال فلن يساوي معشار ما تقدمه للأمة من علم وخير، إنك تقدم كل ما لديك من صحة وجهد وتتحمَّل كل عناء ومشقة في زرع الخير في نفوس أبنائنا. أخي مربي الأجيال: أنا لن أكون لك في هذا المقام واعظاً أو معلماً، بل مذكِّراً، واعلم أيضاً حق العلم، إنك تدرك أهمية وعظم شأن القدوة في المجتمع وأثرها على حياة الأفراد، لكن ذكرى لعل الله أن ينفع بها، تعلم أخي المعلم أن الطالب مولع بتقليد معلمه أليس كذلك؟ ألا ترى عينيه شاخصتين ترقبان حالك ماذا تقول وماذا تفعل، يحاول تقليدك في حركاتك وطريقة كلامك، كل ذلك إعجاباً بك وحباً إليك، لذا فالطفل بحاجة إلى قدوة ينهج نهجه ويقتدي به في جميع مبادئه وقيمه وأخلاقه، فكن لهم قدوة حسنة في زرع الخير والصلاح، واعلم أن الرحمة تجعل المرء يرق لآلام طلابه ويسعى لإزالتها أو التخفيف منها، فالرحمة عاطفة حية نابضة بالحب للناس والرأفة بهم والشفقة عليهم، كذلك التواضع وخفض الجناح لهم، فالنفوس جُبلت على كره من يستطيل عليها ويحتقرها ويستصغرها، كما جُبلت على النفرة ممن يتكبَّر عليها ويتعالى عنها، حتى لو كان ما يقوله حقاً وصدقاً، فإن قلوبهم دون كلامه مغلقة، وصدورهم عن إرشاده وتعليمه موصَّدة. نعم.. إن التواضع هو بذل الاحترام والعطف لمن يستحقه، والتواضع خُلق يكسب صاحبه رضا أهل الفضل ومودتهم، ومن أحق بهذا الخُلق العظيم من الرجل القدوة، فهو أنجح وسيلة إلى الائتلاف. وأنت أيها الأب: مثال لا بد أن يُقتدى به، وأن قداستك في عيني ولدك لا يمكن مسّها أبداً، فهو مولع بتقليدك في كل شيء، لذا فإن علماء النفس يعتقدون أن الطفل الذكر (6-3 سنوات) يرى أن والده هو النموذج الحي والمثل الأعلى الذي يُعجب به ويحتذي حذوه.. أما البنت فتحتاج إلى أب يدرك مشاعرها ويعلِّمها بمساواة مع أخيها ويربيها بلين ورقة، ويدرك رهافة حسها، لكي تفخر به ككل فتاة.. وعادة ما تلجأ البنت إلى جذب الأنظار وتحبيب نفسها من خلال حلاوة لسانها للآخرين، وخصوصاً لأبيها حتى يدللها، فهي تحتاج إلى أب عطوف يحبها وتحبه وتتخذه قدوة، وستنتخب زوجها المثالي في المستقبل من خلال تفحُّصها لسلوك أبيها الذي يعزز سلوك الأنوثة لديها - وكل فتاة بأبيها معجبة -. فالقدوة أيها القراء: شأنها عظيم وأثرها كبير والعكس صحيح، فللقدوة السيئة أثرها أيضاً والله تعالى قد ذمَّ الذين يقولون ما لا يفعلون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ }{ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.. وأخيراً أيها المربون: القدوة.. القدوة، فالإسلام لم ينتشر في بقاع المعمورة بالسيف والعنف والضرب، وإنما انتشر بالقدوة الطيبة للمسلمين التي كانت تبهر أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الإسلام، والخير الذي معنا والعلم الذي تعلمناه لن يؤثر في طلابنا تمام التأثير إلا إذا كنا قدوة لهم فيما نقول ونعلم. فهل يعي المربون هذا الأمر؟
Saad.alfayyadh@hotmail.com |
|
|
| |
|