استمعت يوماً إلى حديث للشيخ الوجيه سليمان بن عبد العزيز الراجحي، تحدث فيه عن موقف أبوي إنساني، قام به أحد معلمي الكتاتيب معه، حينما أعطاه مبلغاً من المال لوجه الله، ليشتري به ثوباً، فلما أفاء الله سبحانه وتعالى على الشيخ سليمان الراجحي، ورزقه، صار يضحي لهذا الرجل سنوياً، ويتصدق عنه ويحتسب مثوبة أجر الصدقة له، وفاءً لهذا الرجل الذي أكرمه، وأحسن إليه يوماً من الأيام.
وتذكرت هذه القصة، والوفاء، والإنسانية، وأنا أقرأ يوم عيد الفطر المبارك إعلاناً مدفوع الثمن من أحد الذين مرّوا باليتم سابقاً، يشكر فيه - بعد الله - رجلاً مسح رؤوسهم، وتبسَّم في وجوههم، وأحسن إليهم مادياً ومعنوياً، وكتب شكراً في هذا، وكأنه يكتب بمداد من ذهب، وبكلمات نابعة من القلب، أنقلها هنا حرفياً، حين قال: (إلى من أنار طريقنا بعلمه، وأسبغنا بوافر عطفه وفضله على مرِّ السنين، فكان لنا أباً حين فقد الآباء، ومربياً حين قلَّ المربون.. إلخ الثناء والدعاء).
وليس غريباً أن يكتب هذا اليتيم، ويُسطِّر هذا الشكر، فالرجل المشكور (منصور بن صالح العُمري) لم يقف عمله مع الأيتام عند حدود المسؤولية الوظيفية، مديراً لدار التربية الاجتماعية بالرياض، أو مديراً عاماً لدور الأيتام، أو في عمله الأخير أميناً عاماً للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام، فلم يتوقف عطاؤه معهم، رغم تركه العمل الوظيفي، بناء على التقاعد المبكر، فلا يزال لهؤلاء الأيتام كالأب يرعى شؤونهم، ويتفقَّد حاجاتهم، يحسن إليهم مع ذوي الإحسان بالمال، والكلمة الطيبة، ويعينهم على حل مشاكلهم، ولن ينسى الأيتام المواقف الإيجابية، والمشروعات المتميزة حينما أُقيم لأول مرة مشروعات الزواج الجماعي للأيتام، ومشروعات الحج.
إن الإنسانية، والعمل الخيري في المجتمع السعودي ليسا غريبين على كافة أفراد المجتمع وطبقاته، بدءاً بولاة الأمر - حفظهم الله - وانتهاء بالطالب الصغير الذي يقتطع من مصروفه اليومي لدعم إخوانه المحتاجين، لكن المجتمع السعودي - ولله الحمد - ينعم بأشياء أخرى من مكارم الأخلاق، والصفات الحسنة، ومنها خصلة الوفاء، فإذا كنت قد استعرضت موقف الشيخ سليمان الراجحي، وهو رجل مقتدر، فهذا الرجل الذي كان يتيماً لم ينس يوم العيد أن يقدم التهنئة الأولى بالعيد، وعبر صفحات الجريدة، لمن كان لهم بمثابة الأب، حينما فقدوا أباهم، وليسطِّر له عبارات التبريك، وأن يدعو له.
ولا أجد عبارة أجمل، وأصدق مما أختم به هذه المقالة من البيت الذي استشهد به هذا الرجل الذي لم يذكر اسمه، حينما ختم شكره وتقديره بقول الشاعر: