هي امرأة ولكنها في همتها العالية تفوق بعض الرجال، بل تستطيع أن تجعلها مضرب مثل لهم، وضرب المثل بالمرأة ليس عيبا ولا بدعا، فقد جاء في كتاب الله - عز وجل -، يقول سبحانه وتعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إذ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، فامرأة فرعون، أي زوجته تلك المؤمنة، التي لم تنخدع بزخارف الدنيا الفانية، ولم يؤثر فيها الترف الزائل، ولم تنسق مع مجريات الأحداث التي حولها، ولم تعمل بها شيئا الموضة - موضة أنا ربكم الأعلى - فهي في عصمة أعظم طاغية، وأكبر مجرم، وأخطر داعية ضلال، ولكنها بإيمانها الذي ملأ قلبها حتى اطمأنت به نفسها، ورضي به ضميرها، رفضت كل ما حولها واختارت جوار ربها، في دار الأبرار مع الأخيار، وسألته سبحانه النجاة من النار والسلامة من فرعون وعمله ومن القوم الظالمين.
وهذه المؤمنة المعاصرة، التي تذكرك بقول الشاعر:
وما التأنيث لاسم الشمس عيب |
عندما تتأمل في همتها وتستعرض جهودها وتنظر فيما تقوم به من أعمال جليلة عظيمة، في سبيل خدمة دينها ووطنها ومجتمعها، وتقارن بين ذلك وبين همم وجهود وأعمال بعض الرجال الذين تأثروا بدنيا فانية، وانخدعوا بمظاهر زائفة، وأصيبت نفوسهم بأمراض وافدة، وأشغلت أفكارهم بأشياء واهية، فتنكبوا لدينهم، وأعرضوا عن مصالح وطنهم، وخرجوا على عادات مجتمعهم، بل صاروا معاول هدم لبعض النصوص الشرعية، وأدوات تخريب لبعض المظاهر الإسلامية، ومصدر خطر يهدد ما حسن من عادات اجتماعية، ووسائل تشكيك لجهلة هم على شاكلتهم تميزوا بانقيادهم خلف كل ناعق، وتصديقهم لأخبار كل فاسق، فعندما تتأمل في حال هؤلاء وحال تلك المؤمنة المجاهدة الصالحة، فإنك - والله - تتمنى أن يقتدي هؤلاء بهذه المرأة الصابرة المناضلة، التي لم يثن عزمها كونها امرأة، ولم تقف عائقا أنوثتها في سبيل واجباتها، ودورها في مجتمعها بل وأمتها، أسأل الله أن يكثر أمثالها في مجتمعنا الطاهر، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يجعل كيد الأعداء في نحورهم وأن يعيذنا من شرورهم إنه سميع مجيب.
(*) حائل ص. ب 3998
|