| |
د. عبدالله المطلق في حوار مفتوح عن الدعوة ووظيفة الدعاة: (إبليس) يثير الشبهات ويضع العراقيل أمام الصالحين حتى لا يشاركوا في ميدان الدعوة
|
|
* الرياض - خاص لـ (الجزيرة): أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق، عضو هيئة كبار العلماء، أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم، حسب قدرته واستطاعته، وأن أي شخص عليه أن يقوم بواجبه، ولا يستكين للشيطان الذي يحاول أن يثبط همته، ويظهر عجزه. وقال د. المطلق: الدعوة ليس من شرطها الخطابة، ولا العلم الشرعي الكثير، بل قد تكون بالزاد القليل، وقدر الاستطاعة. وطالب د. المطلق الدعاة بالرفق واللين، والتعرف على أحوال المدعوين، والاستفادة من الوسائل الحديثة في مخاطبة الملايين.. جاء ذلك في حوار مفتوح مع الدكتور عبدالله المطلق في أحد اللقاءات الدعوية، وكان عبارة عن استفسارات وإجابات.. وفيما يلي نصه: * كيف ترون دور الدعاة الآن في ظل التحديات والظروف التي نعيشها؟! - الدعاة هم ورثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ينقلون إلى الناس ميراثه وهو العلم، ويبلغونهم هذا الخير ويهدونهم إلى صراطٍ مستقيم؛ ولذلك كانوا أشرف الناس مكانةً وأصدقهم مقالة. والدعاة إلى الله الذين ينقلون إلى الناس الخير ويعرفونهم بالدين هم أنفع الناس للناس، ووظيفة الداعية العظيمة لا بد أن يضع الشيطان في طريقها مطبات حتى يفلس كثير من الناس منها، يفلسون من هذه الوظيفة العظيمة عندما يريد أحد أن يدعو ويُحَدِّث يأتيه الشيطان ويقول له (أنت كفء أنت ابن باز والا ابن عثيمين وإلا عايض القرني؟! اسكت خل عنك الحكي والله يضحكون الناس عليك).. هذه من مكائد الشيطان، ثم يبدأ الشيطان يخذله، يقول (وش عندك من علم درست في الثانوي وإلا في كلية الشريعة تظن أنك عالم؟ أنت جاهل أسكت ولا تتكلم).. وهكذا إبليس يثير الشبهات ويضع هذه العراقيل أمام الإخوة الصالحين حتى لا يشاركوا في ميدان الدعوة. * وما مدى وجوبية الدعوة على كل مسلم؟ - الدعوة واجبة على أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، فأتباع محمد صلى الله عليه وسلم دعاة إلى الله؛ لأن عندهم خيراً عظيماً الناس في أشد الحاجة إليه، ونضرب مثلاً: لو أن شخصاً مات من جوع بطنه وشخصاً آخر مات من جوع دينه أيهما أسوأ حالاً ومآلاً؟ لا بد أن يكون جوع الدين، فمن الذي يغذي جوع الدين؟ هم الدعاة، هم عندهم النفقة الطيبة التي ورثوها من محمد صلى الله عليه وسلم، فغذاء القلوب مقدم بكثير على غذاء الأبدان ولذلكم قال الله: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. الدعوة إلى الله واجبة، لا يعذر منها مسلم، لكن ليس كما يظن البعض، حيث يظن أن الدعوة هي الخطابة ولا بد فيها من علم كثير.. فالدعوة ليست خطابة، أو علما كثيرا، والشيطان يوسوس للبعض أن نصيبك من العلم قليل فلا تصلح للدعوة.. هذه مشكلة إبليس الأولى، فهل لها من حل؟.. نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية)، كلكم الآن تحفظون الفاتحة وهي سبع آيات، كلكم يحفظ خيراً كثيراً أليس كذلك؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول (بلغوا عني ولو آية) والجن المسلمون استمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رجع من الطائف إلى مكة في بطن نخله، استمعوا إليه يصلي الفجر أو آخر الليل فلما انتهى من صلاته ماذا عملوا؟ ولوا إلى قومهم منذرين، رجعوا دعاة، فقط استمعوا إلى صلاة واحدة إن كانت الفجر فهي بالكثير نصف ساعة تقريباً وإن كانت آخر الليل فهي تقريباً أربع ساعات، ولوا إلى قومهم منذرين دعاة.. الآن الطالب يدرس في الابتدائي ست سنين والمتوسط والثانوي ست سنين وفي الكلية أربع سنين، ويقول له إبليس (استح ما درست شيء ولا تعلمت)! يقول الله في الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}، والصحابة كانوا يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم من البادية يجلسون عنده يومين أو سبعة أيام أو عشرين يوماً أو نحو ذلك، وبعد ذلك يعودون من عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أقوامهم دعاة. * هل الدعوة خطابة فقط؟ - هذه من شبهات إبليس التي تعيق الناس عن الدعوة.. يأتي إبليس للمسلم إذا أراد الدعوة ويقول (أنت تعرف تتكلم؟ والله لا تستطيع تخطب أنت إذا تكلمت تلعثمت، هل أنت خطيب مقنع مثل فلان وإلا فلان؟ أسكت واترك الناس).. فهذه محاولة من إبليس يريد أن يعيقك عن الدعوة لكن نجيب عنها فنقول: هل الدعوة هي الخطابة فقط؟ لا، إن الخطابة من أضعف وسائل الدعوة.. هذا أبو بكر أعظم الناس عملاً بالدعوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هل كان خطيباً؟ لقد أسلم على يديه أكثر العشرة المبشرين بالجنة، وهم عثمان والزبير وطلحة وسعد أبن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف، اسلموا على يد أبي بكر، هل كان يخطب؟ أبداً كان يتحدث معهم ويبيع ويشتري ويأخذ معهم ويعطي ويجلس معهم فأثر عليهم؛ ولذلك فإن الاتصال الشخصي وحسن الخلق هو أعظم وسائل الدعوة والتواصل مع الناس وبذل المعروف وحسن الخلق، وإذا نظرنا الآن لماليزيا واندونيسيا وسنغافورة وتايلند فسنعرف كيف انتشر فيها الإسلام؟ هل ذهبت إليها الجيوش؟ أبداً، إخواننا من التجارا نزلوا يبيعون ويشترون ويظهر عليهم سمات الخير وأخلاق المسلمين وبعد ذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً، بحسن الخلق والتواصل مع الناس والقدوة الحسنة.. هذه وسائل ناجحة من وسائل الدعوة، وهذه التي تطلب من كل مسلم، يطلب من كل مسلم أن يكون قدوة حسنة في بيته مع إخوانه في مجتمعه في مكتبه، أن يعامل الناس بالأخلاق الفاضلة الطيبة، من رآه رأى فيه أخلاق المسلمين.. هذه وسائل دعوية ناجحة. إذاً، عرفنا أن شبهة إبليس قائمة أم ساقطة؟ ساقطة. * هل وجوب الدعوة يكون على الرجل والمرأة؟ - الدعوة واجبه على جميع الناس على الرجل وعلى الأنثى، على الإنسان منذ أن يبلغ إلى أن يموت؛ لأن الكل من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والكل يشمله قول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، ومعنى على بصيرة أي على علم، فيشترط حينئذ أن يكون الداعي عالماً بما يدعو إليه وليس بشرط أن يكون عالماً بكل شيء، ولكن يشترط أن يكون عالماً بما يدعو إليه، فإذا دعا إلى شيء يعلمه ويستيقنه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وما ورد في كتاب الله تعالى، فإنه حينئذ يكون داعية على بصيرة، ومعنى البصيرة إننا نحتاج إلى معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة ما في القرآن الكريم؛ لأن الله خلق الإنسان له بصر وبصيرة، بعض الناس بصره ستة على ستة وبصيرته صفر على ثلاثة أصفار، وبعض الناس عميان بصرا، وبصيرته ستة على ستة، فالبصيرة غير البصر.. طيب، ما نور البصر؟ وما نور البصيرة؟ الشمس نور البصيرة، قال الله عنها في سورة النبأ: {سِرَاجًا وَهَّاجًا}، فالشمس سراج الأبصار لكن ما سراج البصائر؟ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ومن يخلفه من الدعاة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}، النبي إذاً جاء في الليل؟ لا، فالليل الظلام، لكنه البصائر يضيء مثلما قال الله: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. أنس بن مالك له قول مأثور في البصيرة مذكور في رياض الصالحين يتحدث مع التابعين.. مهم جداً هذا الكلام، قال أنس في التابعين إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات. بصيرة الصحابة ترى العمل كبيراً جداً، من الموبقات، والتابعون يرونه مثل الشعرة بسيطة، ونحن لم نعد نرى شيئا.. (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات). وأنا أضرب لكم مثالا في البصر، ومثال في البصيرة: لو الآن يوجد شخص على جبل بعيد، تجد أحدنا بصره جيدا يقول ذاك رجل، والآخر بصره أضعف منه يقول هذه حمامة، والثالث يقول لم أره وهو موجود.. هل اختلفت أبصارهم أم لا. نأتي للبصيرة: معاملة مالية في معارض السيارات، تجد شخصا يريد أن يأخذ كل ما عندك، فالحلال ما حل في يمينك، وتلقى آخر عنده ورع لا يريد أن يأخذ شيئا لأن البصيرة عنده قوية، وتلقى الآخر يقول إني أشك في ذلك فيأتي أحد بجنبه يقول له يا ابن الحلال عملها الشيخ الفلاني فيأخذها فهذا بصيرته وسط. فهذه البصائر وتلك الأبصار، والله تعالى جعل للإنسان بصيرة وجعل فيه بصرا، قال في البصيرة، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}. * البعض يرى أن الفتن والمغريات كثيرة رغم تعدد وسائل الدعوة، فماذا يفعل الداعية؟ - هذا العصر كما أنه عصر الظلمات إلا أن الله جعل فيه نعما عظيمة ما عرفت في شيء من العصور، هذا العصر فيه نعم لم توجد في عصر من العصور، هي نعم الوسائل الجديدة، وسائل الدعوة الآن المعاصرة، أنتم تسمعون الآن الشيخ ابن حميد الله يرحمه، كم له سنة متوفى، والشيخ ابن باز والشيخ ابن غصون، والشيخ ابن عثيمين، ألسنا نسمع الآن أحاديثهم ومواعظهم ودروسهم بأصواتهم؟ هذه نعمة.. الإنسان في بيته نائم في فراشه يفتح على إذاعة القرآن أو قناة المجد ويرى الشيخ أو يسمعه يتحدث بالعلم، هل وجد هذا في عصر من العصور؟ أبداً، فهذه من النعم التي ساقها الله تعالى إلينا في هذا العصر.. هل وجد في عصر من العصور أن الإنسان يمكن أن يساهم في الدعوة في إفريقيا الوسطى أو في غانا أو في بنين؟ لم يوجد. والآن يذهب الواحد منا إلى الندوة العالمية للشباب الإسلامي ويقول لهم أريد أن أكفل داعية في بنين، يأخذون منك خمسين دولاراً شهرياً تكفل معيشته وتفرغه للدعوة إلى الله، ثم هذه نعم الله تعالى هيأ لنا خيرا عظيما، مع أن هذا العصر عصر الفساد يعني الجو الآن مملوء بآلاف القنوات، تنشر الفساد وتوزع الرذيلة مجاناً وتدعو إليها، ولكن الله تعالى أيضاً فتح لأهل الخير طرقا فجعلهم يستطيعون أن يصلوا إلى مواقع ما كان بالإمكان أن يصلوا إليها، ويسّر الله لهم هذه الوسائل، هذه من نعم الله علينا في هذا العصر التي يجب أن نستغلها. * الفضائيات تغزو البيوت، فماذا نحن فاعلون؟ - كما أن هناك فضائيات فاسدة، هناك قنوات دعوية جيدة، فهناك قنوات المجد واقرأ والفجر وإذاعة القرآن الكريم ونداء الإسلام وغيرها من القنوات النافعة.. ويمكن لمن يسمع القناة السعودية اليوم يشاهد فيها بعض البرامج النافعة، لو أن الواحد منكم جلس في بيته وأخذ ورقه وسجل هذا الخير الذي يسمعه وتعلمه من المشايخ نال بذلك خيراً كثيراً دون أن يحرك سيارته، وهذه نعم ساقها الله في هذا الزمن إلى بيوتنا، بل هي من وسائل الدعوة التي يهدف معرض وسائل الدعوة إلى نشرها وتعريف الناس بها، والدعوة إليها هدف من أهداف هذا المعرض المبارك الذي تنقل في مناطق كثيرة من المملكة، والأصل في الوسائل المباحة التي تؤدي إلى الخير أنها مشروعة، وعلى المسلمين أن يستغلوا جميع الوسائل في الإصلاح، وعلى رب الأسرة في بيته أن يستغل هذه الوسائل أيضاً في الإصلاح، ينفع نفسه وينفع من حوله، نحن نعرف أن كثيراً من الآباء الآن يبحث عن قناة المجد ويشتريها، لماذا؟ لأنه يعتبرها وسيلة من وسائل إصلاح بيته، يجد فيها الحديث النافع، ويجد فيها الفتاوى الجيدة، ويجد فيها اللهو المباح ويجد فيها ما يسلي الأطفال، ويجد فيها العلوم النافعة ومثل ذلك: إذاعة القرآن الكريم، فهذا الخير الموجود عندنا علينا دعمه ونشره وتيسيره للناس، فلو أن الواحد منكم كل أسبوع يستضيف شيخاً يحاضر على أولاده، وآخر استخدم قناة المجد أيهما أنفع، طبعاً المجد؛ لأن المجد مستمرة في الأداء وفيها قنوات كثيرة وفيها خير عظيم، وهذا الشيخ محدود الوقت والعطاء؛ ولهذا فإن هذه القنوات من أعظم وسائل الدعوة المتاحة التي يسّر الله دخولها في البيوت، والإنسان عندما يستفيد منها هو مساهم في الدعوة إلى الله. وما أحوج الداعية إلى الموعظة المقنعة التي يجلس فيها مع المدعوين ويناقشهم ويأخذ ما عندهم ويعطيهم ما عنده.. بعض الناس عندما يريد أن يدعو يلزم الناس إلزاما، هذا غير مقنع.. إن أسلوب القرآن الكريم هو أسلوب الإقناع والتنزل: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ. قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، ماذا في هاتين الآيتين؟ فيها تنزل واضح قوله {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، الرسول ليس عنده شك وليس على ظاهره أن المسلمين على هدى أو ضلال، وإنما يتنزل معهم.. والآيات الأخرى: {لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا}، الرسول والصحابة يجرمون وأولئك يعملون؟! كان المفترض لا تسألون عما عملنا ولا نسأل عما تجرمون، لكن القرآن يقول، {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، وهذا تنزل.. فالداعية يتنزل مع المدعوين ويرفق بهم، ويخاطبهم بما يستل ما في عقولهم. النبي صلى الله عليه وسلم تعرفون قصته مع الشاب الذي جاء إليه وقال كل شيء أبايعك عليه إلا الزنا، الزنا لا أبايعك عليه؛ لأنهم يصدقون، إذا بايع صدق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس. فجلس. قال: ترضاه لأمك؟ قال لا. قال: الناس ما يرضونه لأمهاتهم. ترضاه لأختك؟ قال لا. قال: الناس ما يرضونه بأخواتهم. قال: ترضاه لزوجتك؟ قال لا. قال الذي لا ترضاه لزوجتك الناس أيضاً ما يرضونه لزوجاتهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم استل ما في عقله في هذه الجلسة المقنعة حتى قام من عند النبي صلى الله عليه وسلم مقتنعاً بأنه لا يقرب هذه الفاحشة أبداً. ومن الأسباب الرفق، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرفق ما دخل في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه).. أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الطفيل بن عمرو إلى جماعته في دوس فأغضبوه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ادع على دوس كذبوا رسوله يقصد النبي صلى الله عليه وسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال: اللهم اهد دوسا وأتي بهم. وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسولا إلى حمير فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال حمير عصت ادع الله عليها، قال: اللهم اهد حمير. تعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح الذي رواه البخاري يحكي نبياً من الأنبياء يضربه قومه ويسيل الدم ويمسح الدم ماذا يقول؟ ربي اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. يقول ابن القيم: فيها أربع فوائد: الفائدة الأولى أنه أسقط حقه الخاص (ربي اغفر لقومي). الفائدة الثانية أنه طلب من الله أن يسقط الحق العام الذي لله بقوله (رب أغفر لهم). الفائدة الثالثة أنه ذكر الرابطة بينه وبين قومه فقال (قومي)، ولو كان واحداً منا الآن يقول بتحريض إبليس ما أعرفهم ولا يقول قومي. الفائدة الرابعة أنه يعتذر عنهم يقول لا يعلمون، ولو كان واحدا منا ماذا يقول؟ متعمدين عليك، ولا يعتذر عليهم. والدعاة رسل رحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}؛ ولذلك روى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله ادع الله على المشركين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا). * الرفق في الدعوة كيف يحققه الداعية في نفسه؟ - الدعاة رحمة على الأمة يرفقون بهم ويرحمونهم ويعلمون أنهم مرضى.. حكى أحد الدعاة أنهم في يوم من الأيام قبضوا على رجل يتعاطى المخدرات وأساء أخلاقه معهم ورفقوا به، وقالوا سينفع فيه هذا، المهم أنه ندم هو وأخذوه وراحوا به وجلس معهم أياما وصار هذا الرجل من أصلح الناس وأصبح يحترمهم، وعضواً صالحاً في المجتمع.. ثم انظر للذين كانوا يريدون قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وجاؤوا إلى المدينة بهدف قتل النبي صلى الله عليه وسلم، لما دخل الإيمان في قلوبهم صاروا أشجع الناس، وكان أبو سفيان بن الحارث من أشد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه لما فر الناس في معركة حنين في الطائف ما بقي إلا هو والعباس، بقوا ثابتين لأنهم يتذكرون ماضيهم السالف، وكان أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو يجيئان للناس في معركة اليرموك ويقولان اثبتوا فقد كنا نقاتل المسلمين على الشرك ونستعيب أننا نهرب، أما الآن على الإسلام والله ما نفر. انظر كيف صنع الإسلام الرجال، كيف صنعتهم الدعوة.. لكن يحتاج الأمر إلى رفق بالمدعوين، وسيرى الداعية بعد أن يصلحوا فيهم ما يسره، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرفق ما دخل في شيء إلى زانه ولا نزع من شيء إلى شانه)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، (الرفق كله خير)، والله تعالى يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
|
|
|
| |
|