| |
أولى درجات النفاق والرياء.. أهل الرأي يحذرون منه التدين المغشوش.. (مرض) جديد يغزو المجتمعات المسلمة
|
|
* الجزيرة - خاص: التدين الظاهري، أو ما أطلق عليه بعض الدعاة (التدين المغشوش) ظاهرة بدأت تطل برأسها داخل بعض المجتمعات الإسلامية، والهدف تحقيق مصالح أو مآرب شخصية، أو منافع مادية ودنيوية زائلة، أو التمسح بظاهر الدين للغش والخداع والنفاق، حتى يوقع هؤلاء الغشاشين بضحاياهم، ويسيئون لدين الاسلام، وللملتزمين بالدين، ولكن غالباً ما يكشف هؤلاء المتسترون بظاهر الدين بسهولة، ويتم التحذير منهم، وقد حذر العلماء والدعاة والمشايخ من هؤلاء، وخطورتهم على المجتمع المسلم، ولكن ماذا نسمي أصحاب التدين الظاهري؟! وما هي الأسباب التي تدفعهم لهذا السلوك؟! وكيفية الوقاية منهم؟! خداع وتمويه في البداية يقول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله العمار وكيل وزارة الشؤون الإسلامية: إن النفاق جبان، ولديه من أساليب الخداع والتمويه والقدرة على المراوغة والتفلت، لأنه لا يقوى على المواجهة إلا مع الضعيف، ومن ثم تجد النفاق يلبس كل ثوب، ويتكلم بكل لسان، ويتلون بكل لون، والمنافق لا يتورع عن فعل أي شيء كي يحقق مآربه، ومنها المآرب غير المعلنة التي لا يفطن إليها عوام الناس، ولكن الخبراء بالمنافقين، وبنفوسهم الخبيثة، وقلوبهم المريضة يعلمونها بما علمهم الله في كتابه المبين، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم ينبغي الإصغاء للعلماء في كشف استارهم لأخذ الحذر منهم، ولفهم طبيعتهم، وقد جاءت الأحاديث تبين خطورة المنافق وتنبه الامة إلى الحذر منه، فعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان)، وقد نبه القرآن إلى خطورتهم وشرهم فقال عنهم {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}. والمنافق وإن كان يُظهر الخير والفلاح، والديانة والصلاح، إلا أن فلتات اللسان تسفر عن مكنونات القلب وخبايا النفوس، ويظهر ذلك بالأخص في الشدائد والمحن، فالمواقف والصعاب هي التبرز حقائق الإيمان، وتكشف الصادق من الدعيِّ، وتميز الخبيث من الطيب، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} . أقسام النفاق ويشير العمار إلى أن النفاق في الشرع ينقسم إلى قسمين: أحدهما نفاق الاعتقاد، فهو الرياء في الإيمان، وهو أقبح أنواع الرياء وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وقد أكثر الله تعالى ذمهم وتوعدهم بقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}. والآخر نفاق العمل، وهو الرياء في الاعمال، وهو من أكبر الذنوب، ومن أقبح أنواع الرياء في الأعمال ما كان سُلماً للمعصية، كمن يظهر للناس الصلاح والورع ليتولى المناصب، أو يفوض إليه توزيع الصدقات، وقصده بكل ذلك الخيانة، والاستغناء بأموال الناس، ومثل ذلك من طلب العلم للدنيا لينال به غرضاً من أغراضها، أو ليتحصل به على وظيفة حرام، أو كمن يشتغل بالوعظ والدعوة والخطابة للظفر بامرأة تخطب وده وتتمنى رضاه، أو لكسب الاموال من طريق النذور وصناديقها، فهؤلاء من أقبح المرائين عند الله عز وجل: لأنهم جعلوا طاعة ربهم عز وجل وسيلة إلى معصيته، وستاراً يخفون خلفه تلك الرذائل. وأما نفاق العمل، فهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك. وهذا النوع يعتقد الحق ويدين به لكنه يدخل عليه الدَّخَل في نيته وتوجهه بعمله فهو يرائي في الخير، ويعمل من أجل الناس ومن أجل ثنائهم عليه، أو يعمل الخير ليعرف به، فهو يعمل من أجل الشهرة وهذا المسلك المشين معصية على المسلم أن يتوب منها؛ لأن الرياء خطره على العمل كبير. وما يسمى بالتدين الظاهري إنما هو النفاق العلمي الذي يتحدث عنه العلماء، وليس النفاق في الاعتقاد الذي يكفر به، وهو دليل على ضعف الشخص وضعف إيمانه، وتكون له أسباب عديدة منها ضعف التربية سواء إيمانية أو مدرسية أو منزلية. ولهذا نجد أن الأسباب التي ذكرتموها تدخل في ذلك. وعلاج ذلك هو التمسك بتعاليم ديننا الحنيف، وترابط وتضافر كل من المؤسسة الدينية ووسائل الإعلام والأسرة لإظهار خطورة النفاق والمنافقين على الأمة. وأود أن أشير إلى أن وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لا تألوا جهدا في إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات واللقاءات التلفازية والإذاعية وإقامة المعسكرات الصيفية للشباب لتوجيههم وإرشادهم إلى الطريق الصحيح، وبيان خطورة النفاق وآثاره على الفرد والمجتمع. أسوأ دعاية للإسلام ويقول الدكتور جمال الدين محمود عضو مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر: التدين هو أداء الشعائر التي فرضها الإسلام أو الزيادة عليها بأداء السنن التي حثنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث النبوي: (أنه ما تقرب عبد إلى الله بأكثر من أداء ما افترضه الله عليه)، ويحتاج ذلك إلى النية الخالصة بحيث لا يؤدي المسلم العبادات كما لو كانت حركات يتم تنفيذها على عجل أو التظاهر بها أمام الناس. ويضيف: أن المظهرية في الدين يقصد بها أمران: الأول الرياء عند أداء العبادات، والثاني أداء بعض ما يدعو إليه الإسلام مع ترك جوهره ومبادئ معاملاته كمن ترتدي الحجاب وتأتي بأفعال بعيدة عما يفرضه عليها، والإنسان مطالب بأداء الفرائض ومحظور عليه ارتكاب المحرمات، ويدخل في باب الرياء ايضا من يطلقون لحاهم ويقومون بأفعال تخرج عن الآداب الإسلامية أو يتقرب إلى الله في فترة معينة إلى أن تقضى حاجته. ويرجع الدكتور جمال ذلك لضعف دور الدعاة في المساجد والمؤسسات التعليمية والدينية الأخرى ويطالب كل مسلم بأداء الفريضة بنية خالصة ولسي بترديد الأقوال فلا يعقل أن يتسلل لص إلى منزل ويطلب من الله الحفظ والتستر، وهذا هو ما أصبح الشكل العام لتصرفات المسلمين في الآونة الأخيرة أو أداء الأفعال وحده لأي باعث آخر كنيل الشهرة. غفلوا وتغافلوا ويقول الدكتور حسن بن عبدالغني أبوغدة أستاذ الفقه والسياسة الشرعية بقسم الدراسات الاسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض: لا يخفى أن التدين الحق في الاسلام هو: الامتثال الكامل لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الاقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، بخلاف التدين الظاهري الذي يلامس الجوارح، ولا يتفاعل مع القلوب والنفوس، يقول الله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. إن مما يدعو إلى الأسف أن كثيراً من المسلمين غفلوا أو تغافلوا عن مفهوم التدين الصحيح، وحصروه في مجموعة من (الطقوس) التعبدية والمظاهر الحركية، من أجل تحقيق منافع شخصية أو نيل مكاسب مادية، قد تعود عليهم بالوفرة والمكانة في الدنيا، لكنها تعود عليهم بالخزي والخذلان عند الله في الآخرة. إن هؤلاء الذين يلبسون لباس الدين ظلماً وعدواناً، تراهم لا يتورعون عن اقتراف الكذب، والانغماس في النميمة، وغمط الحقوق، واضطهاد الضعفاء، والتواني في أداء الواجبات الوظيفية والاجتماعية، وربما التعدي على حياة الآخرين، وتعريض أمنهم وسلامتهم للخطر، وترويعهم، وتدمير ممتلكاتهم وحقوقهم. وفي كل تلك الأحوال السابقة تكون القيم الدينية هي الضحية، ويكون المجتمع هو الخاسر جراء ذلك النفاق والرياء، الذي هو بحق تدين كاذب، سرعان ما ينكشف حال أصحابه للناس، فيبوؤون بسخط الله تعالى، وكراهية الناس لهم. مسوؤلية المؤسسات ويؤكد د. أبوغدة أن مسؤولية ذلك الانحراف السلوكي تقع على جهات عديدة، أولها الأسرة التي غاب دورها الفاعل في إيقاظ ضمير أفرادها، أو ربطهم ربطاً صحيحاً بالمفاهيم الدينية المنبعثة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، كما تقع هذه المسؤولية أيضاً على بعض المؤسسات الدينية والإعلامية التي لم تحسن التعامل مع هؤلاء الأفراد، فانصرفوا إلى الاهتمام بالظاهر على حساب المضمون، وتركوا صياغة نفوسهم تبعاً لأهوائهم ومصالحهم، فأضروا بأنفسهم وأمتهم. إن التدين الحقيقي في منظور الإسلام يعني الخضوع الكامل لله تعالى في السراء والضراء، وهو يشمل أيضاً صيانة أرواح النا، وأعراضهم، وأموالهم، وأوقاتهم دون أن يعتدي عليها أو تمس بأذى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله تعالى عنه). وهكذا يتضح أن التدين الظاهري صورة من صور النفاق الاجتماعي؛ لأن التدين الحق هو طلب رضوان الله تعالى، فيما فيه إحقاق الحق، وإسعاد الناس، وصيانة أرواحهم وحقوقهم، والسعي في رفع مستوياتهم المعيشية والإنسانية، والأخذ بأيديهم نحو الفضيلة، والخير، والعمل الإيجابي البناء.
|
|
|
| |
|