| |
تواريخ بقيت في الذاكرة (1-2) عبدالله الصالح العثيمين
|
|
المهتم بالتاريخ تمرُّ به تواريخ حوادث كثيرة.. ومن تواريخ هذه الحوادث ما يستقر في الذاكرة، لكن منها - وربما أكثرها - ما تعجز الذاكرة أن تمسك بها، تماماً كمن يحاول القبض على الماء فتخونه فروج الأصابع، وكاتب هذه السطور كانت له ذاكرة جيدة عندما كان في ربيع العمر. أما وقد أصبح في خريفه فمنخل ذاكرته بات عاجزاً عن الإبقاء على أكثر ما كان يحتفظ به في الماضي، وأصبح من الإمساك بناصية تلك الذاكرة كما أصبح المجنون من ليلى. وبما أن اهتمامه مركز - بدرجة كبيرة - على حوادث التاريخ الحديث فإنه سيشير إلى ما له صدى في ذاكرته من تلك الحوادث. في عام 1233هـ - 1818م قُضي على الدولة السعودية الأولى، التي كانت عاصمتها الدرعية، على يد قوات إبراهيم باشا ان محمد علي باشا، والي مصر حينذاك من قِبل الدولة العثمانية. وكانت تلك الدولة السعودية قد قامت على أساس مناصرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وانتصرت بتلك المناصرة. وكل من قرأ ما نادت به تلك الدعوة قراءة تأمّل منصفة يدرك أن جوهرها المناداة بإخلاص العبادة لله وحده، وتخليص عقل المسلم مما شاع في بعض المجتمعات المسلمة من أمور تتنافى مع عقيدة التوحيد الخالص، وبدع أدخلت على الممارسات الدينية نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، واجتنبها السلف الصالح من الأمة الإسلامية، وخرافات تراكمت عبر القرون لتترسّخ كلما مرّت بها الأيام. وكانت الدولة السعودية الأولى في طليعة المحاولات الرامية إلى توحيد ما يمكن توحيده من أجزاء الأمة العربية التي كانت - ومازالت - مشتّتة. وفي ذلك العام 1818م دعا الرئيس الأمريكي، جون آدمز، إلى إقامة حكومة يهودية مستقلة في فلسطين، ودعوة ذلك الرئيس إلى ما دعا إليه لم تكن أولى علامات وقوف رجالات الغرب المسيحيين مع أماني الصهاينة من اليهود، فقد قال كولومبس، الذي ينسب إليه الغربيون اكتشاف أمريكا عام 1492م، والذي كان طبيب حملته يهودياً، لملكة إسبانيا ايزابيلا إنه سوف يستخدم الذهب الذي يجده في العالم الجديد لإعادة بناء الهيكل (في فلسطين) ليكون مركز العالم في الكرة الأرضية. ثم تلت تلك الحادثة مساعٍ أخرى عبر القرون التالية. لكن دعوة الرئيس الأمريكي، آدمز، كانت لها أهميتها الخاصة، إذ تبيّن تبلور فكرة التصهين في نفوس القادة الأمريكيين حتى أصبحت عقيدة دينية متأصلة في نفوس بعضهم بل إن مما يوضّح ترسخ فكرة التصهين لدى المستعمرين الأوروبيين الأوائل لأمريكا انهم أطلقوا على بعض مستوطناتهم وأبنائهم أسماء عبرية، وفرضوا تعليم العبرية في مؤسساتهم التعليمية بل إن أول شهادة دكتوراه منحتها جامعة هارفرد المشهورة سنة 1642م، كانت لأطروحة عنوانها (العبرية هي اللغة الأم). وفي عام 1254هـ - 1838م أنهت قوات محمد علي باشا، حاكم مصر، الفترة الأولى من حكم الإمام فيصل بن تركي آل سعود، وأُخِذ إلى مصر أملاً في أن يبقى منصوب الحاكم المصري خالد بن سعود أميراً لنجد. وقد رأت خبيرة المكر، بريطانيا، في نجاح محمد علي داخل الجزيرة العربية وتهديده لمناطق نفوذها في منطقة الخليج، إضافة إلى نجاحه في بلاد الشام، وكونه يحقق مكاسب سريعة على حساب الدولة العثمانية المتهالكة، خطراً لابد من التصدّي له. ولذلك سارعت إلى احتلال ميناء عدن سنة 1839م، ثم تزعمت مؤتمر لندن المشهور في العام التالي، وكان من قرارات ذلك المؤتمر تحجيم قوات محمد علي بإجباره على التخلّي عن جزيرة العرب وبلاد الشام. وبتخليه المفروض عليه عن الجزيرة العربية انهار موقف منصوبه خالد بن سعود، ولم يبقَ في نجد إلا عاماً أو أقلّ من العام تاركاً مضطراً حكمها لعبدالله بن ثنيّان آل سعود. وقد تزامن مع إنهاء الفترة الأولى من حكم الإمام فيصل بن تركي عام 1838م، على يد قوات محمد علي إنشاء اللورد بالمرشون وزير خارجية بريطانيا قنصلية لبلاده في القدس استجابة لإلحاح ابن أخيه اللورد كوبر أحد أركان (جمعية لندن لتعزيز المسيحية اليهودية). وفي العام الذي عقد فيه مؤتمر لندن المشار إليه سابقاً وضِع برنامج اللورد البريطاني شافتسبري بشأن توطين اليهود في فلسطين على قاعدة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض). وبعد ذلك بأربع سنوات ألّف البرلمان البريطاني لجنة (إعادة أمة اليهود إلى فلسطين). وفي عام 1282هـ - 1865م توفي الإمام فيصل بن تركي في الرياض منتهية بذلك فترة حكمه الثانية، التي بدأت عام 1259هـ. وفي ذلك العام بدأ صندوق اكتشاف فلسطين المؤسس في العاصمة البريطانية تمويل بعثات إلى فلسطين هدفها التمهيد لمشروعات تحقّق توطين اليهود فيها. وكان من أخطر خطط تلك البعثات خطة أوليفنت، التي اقترحت إقامة مستوطنة يهودية شرق نهر الأردن لتوطين يهود روسيا ورومانيا. أما سكان فلسطين العرب فاقترحت تجميعهم في منطقة خاصة كما جرى للهنود (الحمر) في أمريكا. وفي عام 1305هـ - 1887م أسس القس بلاكستون في شيكاغو (البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل) وذلك لحثّ اليهود على الهجرة إلى فلسطين. وبلاكستون مؤلف كتاب عيسى قادم سنة 1868م، الذي تُرجم إلى أربعين لغة. وفي العام التالي زار ذلك القس فلسطين، ورفع شعار (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وهو الشعار الذي وضعه اللورد البريطاني سافتسبري سنة 1840م كما سبق أن ذكر. وفي ذلك العام 1305هـ كان من نتائج انقساماتٍ داخل الأسرة السعودية ومضاعفاتها أن دخل الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد الرياض، واستولى على مقاليد الأمور فيها، وأخذ إلى حائل كلاً من الإمام عبدالله بن فيصل وأخيه عبدالرحمن. وبذلك وضع عملياً عربة قطار الدولة السعودية الثانية في آخر محطاتها. وفي عام 1309هـ - 1891م خرج الإمام عبدالرحمن بن فيصل بأسرته من الرياض، واضعاً نهاية للدولة السعودية الثانية وكان من الأسس التي قامت عليها تلك الدولة ما كان لأسلاف قادتها من حكام الدولة السعودية الأولى لدى كثيرٍ من النجديين من رصيد مقدّر وتعاطف ملموس. وكانت بعض المشكلات التي واجهتها داخلية الطابع بتأثير خارجي أحياناً، ومن دون ذلك التأثير أحياناً أخرى. وإذا كانت مواجهة قوة خارجية تفوق قدراتها إمكانات القوة المحلية باهظة التكاليف فإن التعامل مع المشكلات الداخلية قد يكون شديد المرارة. بل ربما أدّى فشل التعامل معها إلى عواقب وخيمة. وفي ذلك العام 1891م طلب الرئيس الأمريكي من وزير خارجيته أن يعمل على أن تعطي الدول ذات القدرة والنفوذ فلسطين لليهود كما أعطت بلغاريا للبلغاريين وفق معاهدة برلين سنة 1878م. وفي عام 1315هـ - 1897م توفي الأمير محمد بن رشيد الذي حكم أقاليم نجد بعد نهاية الدولة السعودية الثانية. وكان له من الدهاء وبعد النظر ما له، وعليه من المآخذ ما عليه. وفي ذلك العام 1897م تبنّى المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عُقد في مدينة بال السويسرية، ما بلوره ثيودور هرتزل في كتابه الدولة اليهودية من فكر يقضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وتواصلت الجهود الصهيونية والمساعي المتصهينة لتحقيق ذلك الفكر على أرض هذا القطر العربي الإسلامي.
|
|
|
| |
|