| |
الذين عزموا القطار.. والذين عزموني! محمد بن أحمد القصير
|
|
قبل سنوات.. روى لي أحد الأصدقاء من جمهورية مصر العربية الشقيقة قصة طريفة وغريبة، تقول إن أهالي محافظة (الشرقية) في مصر مشهورون بالكرم الزائد، حتى انهم عزموا قطار السكك الحديدية يوم أن وصل منطقتهم لأول مرة!، ولهذا السبب يصف الأشقاء المصريون أهل الشرقية هناك بالطيبة التي بلغت حد السذاجة، كونهم عزموا القطار، وهو آلة جامدة لا تأكل ولا تشرب!. إلا أنني عرفت بعد ذلك حقيقة الأمر.. وهي أنهم لم يعزموا القطار نفسه، بل قدموا الطعام والشراب والحلوى لجميع ركابه حين وطأ أرض محافظتهم، ووقف في أول محطة بها. تلك القصة بجوانبها الطريفة وأبعادها الحقيقية قفزت إلى ذاكرتي في أحد أيام الأسبوع الماضي، وكنت متوجهاً لتلبية دعوة كريمة لتناول الغداء في ضيافة أخي الكريم وصديقي الحميم عبدالكريم المنقور، بمدينة (حوطة سدير) في منطقة (سدير) التي تبعد عن العاصمة (الرياض) بنحو(140) كم. حدثت المفاجأة حين بلغت الشارع الرئيس للمدينة، إذ استوقفني عند الإشارة المرورية بعض الأشخاص الذين لا أعرفهم ولا يعرفونني، ليطالبوني بالتوجه معهم لتناول الغداء في ضيافتهم.. استغربت ما يحدث في أول الأمر، وحاولت بشتى السبل إقناعهم بأنني مدعو للغداء عند أخ عزيز ينتظرني، لكن محاولاتي لم تجدِ أمام إصرارهم البالغ!. وهنا على الفور لم أتذكر قصة أهل الشرقية في مصر العربية فحسب.. بل عاد بي الحنين إلى السيرة العطرة لآبائنا وأجدادنا الذين غرسوا في أعماقنا أروع القيم والأعراف النبيلة، والمعاني السامية، التي تجسد النخوة والأصالة العربية، وفي مقدمتها الجود والكرم، وليس أدل على ذلك سوى المقولة الشائعة (أنت عربي.. أنت كريم). إن سعادتي البالغة بأبناء وطني في (حوطة سدير) أزالت عن نفسي أساها من بعض الناس، وهم بحمد الله قلة قليلة، يعرفونك لكنهم قد يديرون وجوههم جانباً أو إلى الأرض، خشية السلام الذي قد يسبب حرجاً لهم ويضطرهم لدعوتك إلى الغداء أو العشاء، أو حتى تناول القهوة، على الرغم من أن الناس الآن تتوافر لهم نعم لا تعد ولا تحصى من الله تعالى جل شأنه، لم تتح للآباء والأجداد الذين كانوا قدوة في الكرم. لم استغرب إلحاح الإخوة في (حوطة سدير)، فهم يمثلون المجتمع السعودي المسلم الأصيل، الذي أنجب (حاتم الطائي)، مضرب الأمثال في الجود والكرم، حتى ان الكرم إذا بلغ مداه يوصف ب (الكرم الحاتمي). أقول ختاماً: مازالت الدنيا بخير ومازال وطن الخير بألف خير
|
|
|
| |
|