| |
الديمقراطية مي عبد العزيز السديري
|
|
هذه الكلمة تعني حكم الأغلبية، وكلمة الأغلبية تعني السواد الأعظم من الشعب، والسواد الأعظم يشمل أفراداً من الطبقات كافة، الأمر الذي يعني أن نسبة كبيرة من هذه الأغلبية بعيدة كل البعد عن فهم مضمون الديمقراطية والمتطلبات التي ترتكز عليها المعطيات الديمقراطية، لأنه من حيث المبدأ فإن هذه النسبة تفتقر إلى الوعي الذي يؤهلها إلى إجراء تقييم سليم لمعنى الديمقراطية وللمرشحين، وهذا يعني أن الانتخابات لن يكون حسب ذلك المعيار الذي تتحقق بموجبه مصلحة الشعب. ويكفي القول إن الفيلسوف ميخائيل نعيمة وصف الأغلبية بالغباء. وفي الحقيقة بدأ الإنسان يشعر بالهم والغم كلما سمع كلمة ديمقراطية بممارستها الحديثة بل ويصيبه الصداع. ولقد عرف العرب القدماء الديمقراطية بأجل معانيها، وذلك عن طريق نظام المشيخة ورئيس القبيلة حيث لم يكن هناك إمكانية لأي شخص أن يصبح رئيساً على عشيرته أو شيخاً على قبيلته إلا بموافقة جميع أفراد العشيرة أو القبيلة، مع ملاحظة إن القبيلة حتى قبل الإسلام لم يكن لديها جيش أو شرطة أو انتخابات، ويمثلها شاعر القبيلة، فهو الذي يتغنى بمناقب الشيخ المنتخب من عقل وكرم وجود وعطاء ومروءة وعدل ونزاهة وحزم وعزم وإباء وشجاعة ونخوة. وهكذا كان الشاعر يقوم بالدور الذي تقوم به وزارة الإعلام في الوقت الحاضر. وكان العدل محققاً بين جميع أفراد القبيلة. وعاش ذلك المجتمع تحت كنف شيخ القبيلة حياة أمن وسلام لا يخشى أي من أفراده على نفسه وماله، لأن العادات والتقاليد حكمت الجميع ووضعت حداً لتصرفاتهم. وبهذا الخصوص يمكن القول أن مثل هذا المجتمع كان ينعم بأعلى درجات الديمقراطية. نرى في هذه الأيام هجمة غربية تطالبنا بالديمقراطية ولكن أية ديمقراطية؟ يريدونها ديمقراطية بمقاييس محددة ومضمون يتناسب مع مجتمعاتهم البعيدة كل البعد عن عقيدتنا والمناقضة كل التناقض لثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا ومفاهيمنا التي تأصلت وتجذرت في مجتمعاتنا عبر آلاف السنين، نعم إنهم يريدون إلغاء حضارتنا من جذورها واستبدالها بما لا يتفق ولا ينسجم مع مجتمعاتنا. وفي الحقيقة وبصراحة نقول لهؤلاء دعاة الديمقراطية الغربية إن هذا الجزء من العالم أي العالم العربي قد مر عليه الكثير من الشعوب، يونان ورومان وتتر، وخرجوا جميعهم دون أن يتمكنوا من تغيير ما لدينا من مفاهيم أخلاقية نعتز بها ونفخر بتوريثها لأجيالنا القادمة. دعنا ننظر إلى ديمقراطيتين غربيتين كما يدعون، ديمقراطية أمريكا وديمقراطية بريطانيا، حيث نجد أن هناك حزبين رئيسيين في كل منهما يتداولان السلطة منذ عشرات السنين، ففي الأولى هناك الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وفي الثانية هناك حزب العمال وحزب المحافظين، وخلال هذه السنين لا نرى في أمريكا إلا حزب الجمهوريين أو حزب الديمقراطيين وفي بيرطانيا لا يحكم إلا حزب العمال أو حزب المحافظين. فأية ديمقراطية هذه؟ إنها الديكتاتورية بعينها طالما أنها لا تفسح المجال للآخرين من الشعب. والحالة هذه يمكننا أن نقرر ونقول إن هذه الديمقراطية هي ديمقراطية مشوهة، لا لشيء إلا لأنها تتبادل الأدوار فقط بين فئتين لا ثالث لهما، وكلما حكمت فئة قدمت مصالحها على مصالح مجموع الشعب. وأكثر من ذلك فإننا نجد حتى داخل الحزب الواحد إذا تعارضت مصلحة الحزب مع مصلحة وزرائه أن هؤلاء الوزراء ورئيسهم يضربون مطالبات أعضائه بعرض الحائط ويصمون آذانهم عن مطالبتهم بالتنحي ويستمرون في الحكم. والأمثلة كثيرة ومعروفة ولنذكر على سبيل المثال رئيس الوزراء البريطاني وحزبه. في شرقنا العربي المسلم لسنا بحاجة إلى ديمقراطية الغرب التي تنصب من يملك المال مهما كان وضعه الخلقي أو الإنساني أو العلمي أو المنطقي على شعبه وعلى الشعوب الأخرى. يكفينا إسلامنا الذي يضع السلطة بين يدي أهل النهى والتقى والعلم. ونقول لمن يطالب بالديمقراطية الغربية لو سمحت احتفظ بآرائك لنفسك واتركنا نسير على طريقنا الذي خبرناه ولم يأت منه إلا الخير والبركة لنا ولأولادنا ولأجيالنا ولبلدنا ولمجتمعنا.
|
|
|
| |
|