| |
عوض بن عبد العزيز قامة في مقامات الرجال محمد بن ناصر الأسمري
|
|
فجعنا بخبر وفاة رجل هو شيمة وقيمة في مقامات الرجال، والكرامة والاعتزاز. طوى الموت عوض بن محمد بن عبد العزيز آل مارد الأسمري. شيخ في المقال والمقال، وعقيد قوم في الحل والرحال. لا أزكيه على الله، لكنه أهل لفضائل كثيرة، تستحق الإعلام به كأحد الرموز الخيِّرة في هذا الوطن، ليس في شأن قبيلته، بل في الشأن العام. كان الرجل من أوائل من عملوا في وزارة الدفاع والطيران في عهد الأمير منصور بن عبد العزيز، كان مدنياً في عمله وأعماله وتصرُّفاته، وإن أشغله الهمُّ القبلي من أجل الإصلاح والصلاح. كنت أرمق طول قامة الرجل ووسامته في الطائف حين جاء بي أبي من رعي البهم والقعدان منذ نيف وخمسين عاماً. فأرى فيه كلَّ ما يشد إليّ الاقتداء، وكان أبي - رحمه الله - يعامله معاملة الأصدقاء الخلص، وكذا كنت وما زلت. قامة الرجل في الأناقة والدقّة في القول والعمل، تشع بهاءً فيما يكتب من خلال عمله الطويل في المديرية العامة للجوازات والجنسية، وفي ظني أنّ ما كان يربطه بكلِّ الأمراء الذين تعاقبوا على منصب وزير الداخلية، وفي مقدِّمتهم الملك فهد - رحمه الله -، والأمير نايف والأمير أحمد، بارك الله لهم بقدر ما أسدوا من خدمات للوطن .. ما يربطه هو الثقة منهم والتقدير، ومنه كان الإخلاص في العمل والقول والفعل. أذكر أنّني أول ما تفتّحت على القراءة، وأنا في الصف السادس الابتدائي، لفت نظري مقال للأستاذ حمد الجاسر - غفر الله له - في صحيفة اليمامة في بداية الثمانينات الهجرية، يرد فيه على طلب القارئ عوض بن محمد بن عبد العزيز الأسمري، عن نسب رجال الحجر، وفصل المرحوم حمد الجاسر في ذلك، وأفاد في تعريف لم يسبق لي إيلاءه أي اهتمام حتى درست التاريخ في الجامعة ثم الإعلام والإدارة والاقتصاد في دراساتي العليا وحياتي العملية. كنت بحكم فارق السن لا أجرؤ كثيراً على مطاولة الوالد عوض - غفر الله له -، لكن سماحة خلقه وخلقه، كانت تقف ضد هذا. فهو لطيف المعشر، أبي لا يتخلّف عن مدِّ العون والمعاونة، بالجاه والمال والموقف، كانت له مواقف مشرفة في شأن الخدمات العامة لقبيلته، وأهله وعشيرته الأقربين والأبعدين، ثم كان في موقع الثريا في البعد عن صغائر الأمور في أيِّ شأن. يقدِّر له الموادون له والمختلفون معه نكران الذات فيما له علاقة بالسعي من أجل المراجعة والمرافعة والمطالبة لجلب المشروعات التطويرية، ولعلّ إسهاماته في السعي لجلب الماء والطرق والكهرباء، أمثلة تشع وتتسع في مجالات الخدمة الاجتماعية. كان في بداية هذا الشهر المبارك ملء السمع والبصر، في مجلس ابن الوطن البار عبد العزيز بن محمد أبو ملحة، الذي هو صنو لفقيدنا في فضائل الخصال الحميدة، فرحت بمقدم الرجل، وتشرّفت أن أخلي مكاني له في صدارة المجلس، وقبّلت جبينه، ولم أكن أعلم أنّ هذا هو لقاء الفراق. كان عوض - رحمه الله - مثالاً في الرجولة، فرح كثيراً بكتابي عن مشاركة ثلة من الجيش السعودي في حرب فلسطين عام 1948م، وكان يثير في كوامن الذكريات بالتحدُّث عن والدي، ومولدي، وأخي غازي، وكيف كان الإعجاب منه بجدّتي رفعة بنت سياف الواهبي الشهراني - غفر الله لها -، التي أصرّت على تسمية أخي باسمه الجميل اليوم غازي، لأنّ والده كان في الغزو حين ولادته. بعد أن شبّ العود مني، كنت أسعد بتلقِّي النصح والتوجيه، من خلال ما كان يضفي به من إرشادات وآراء في ما أكتب، لا يخلو من تقويم بنفس واثقة ومقدرة، ولا أزال مديناً له بكثير من الفضل في مناح كثيرة من خطى الاقتداء في مسارب الحياة والرجولة والشيم والوفاء. لقد رحل عوض إلى موطنه في جنوب وطنه، ليعود أحد أقربائه، وليكون ضمن أهل الشور في العد والإعداد والاستعداد للاحتفال بزعيم الوطن الملك عبد الله بن عبد العزيز، حين يطلُّ على الربوع متفقِّداً الرّبع والمرابع بعد العيد، لكن قضاء الله حلّ، ولا رادّ لقضاء الله إلاّ التسليم والحوقلة. كان عوض عوضاً عن أخيه الراحل منذ عامين الشيخ فايز - رحمه الله -، لكن تقبل العزاء في الراحل الكريم لن يعوِّضنا فيه سوى الابتهال إلى الله عزّ وجل أن يسبغ عليه الرحمة والغفران. أعزِّي الوالدة أم عبد العزيز، الشهرية الصفية الوفية، لحليلها وخليلها عوض، وبكلِّ ما فيها من البهاء في الخلق والخلق، والشهامة، أذكر لها حنوها وحنانها عليّ وعلى زوجي في بداية عرسنا، فقد كانت نعم المرشدة الراشدة، أعزِّيها متقبلاً معها والإخوة عبد العزيز وإخوانه وأخواته، عزاء النساء والرجال في كلِّ منابت الوطن، ولا نقول إلاّ ما يقول الصابرون: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
yosr46@hotmail.com |
|
|
| |
|