| |
مدرسة الصوم د. زيد بن محمد الرماني *
|
|
الصوم هو إحدى دعائم الإسلام الخمسة، وأحد أركان الدين.. جاء في صحيحي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت. وقد فرض الله سبحانه صوم رمضان على هذه الأمة المحمدية في شعبان من السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر. أوجب عز وجل علينا الصوم ليخلصنا من أدران المادة جزءاً من الزمن، فهو حرمان مشروع، وفيه خضوع لله وخشوع. فالواحد منا إذا تألم من الجوع وجدت عنده الأحاسيس ونمت فيه العواطف نحو إخوانه الفقراء والمعوزين. يقول الأستاذ محمد الحجار في كتابه (صوت المنبر): ما أحوجنا إلى هذه التربية الحكيمة فننظر إلى إخواننا المعذبين الذين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، نظرة إنصاف ورحمة، ونظرة بر وشفقة. فالصوم يكسر الكبر ويشعر الإنسان بضعفه وعجزه وأنه في حاجة ماسة إلى لقمة العيش وشربة الماء، وأن حياته متوقفة على الطعام والشراب والهواء، فهو في حاجة إلى ربه دائماً وأبداً، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (سورة فاطر 15). والصوم يعلم الصبر، فيجعل الإنسان قادراً على تحمل الأذى والمكاره، وقد سُمي الصيام صبراً، ووعد الله تعالى الصابرين بالجزاء الأوفى والثواب العظيم، يقول سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة الزمر/ 10)، ويقول رسول الهدى: (ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم) رواه أحمد والبزار والبيهقي. وقال سبحانه في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) رواه البخاري ومسلم. والصوم يُعلم الأمانة ويُعلم الصدق في المعاملة ويُعلم النصح لكل مسلم ويُعلم مراقبة النفس ويُعلم مراقبة الله عز وجل. فالصوم سرّ بين العبد وربه, الصوم يحرك الشفقة في القلب ويحض على الصدقة؛ فهو يُعلم العطف، ويحث على البر. فهو شهر الجود والكرم، وشهر البر والإحسان، فإذا جاع مَنْ ألف الشبع وحُرم الغني المترف أسباب المتع، عرف الجوع كيف يقع، وأدرك ألم الفقر والجرمان إذا لذع. فالله سبحانه هو المدبر الحكيم والمشرِّع العليم، أوجد الصوم لحكم عالية ومرام سامية، وقد أنزل سبحانه في هذا الشهر الكريم النور المبين والذكر الحكيم والهادي إلى صراط الله المستقيم، كتاباً يهدي للتي هي أقوم، لا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء. كما أن الصيام يؤثر في الإنسان تأثيراً تظهر آثاره في الأخلاق وفي النفس، فهو سلاح عجيب وضعه الله عز وجل بيد القوة الإنسانية لتقهر به الطبيعة الحيوانية؛ ما يدفع عن الإنسان غوائل العدوان على الدماء والأراضي والأموال؛ لأن هذا العدوان إنما يكون من تمرد الصفات الحيوانية. فالصيام يكسر الشهوات؛ إذ لا تكسر النفس بشيء كالجوع، ويذكر الصيام بحال الأكباد الجائعة والأجسام العارية والنساء المشردة، فيرق القلب وتلين النفس. روي في الآثار أن يوسف عليه السلام سُئل لِمَ تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ قال عليه السلام أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع. ما أروع هذا المظهر النبوي الدال على الإنصاف. إن الصيام يدعو إلى التحلي بمكارم الأخلاق؛ إذ يكلف فيه الإنسان أن يحفظ لسانه عن الغيبة ويغض عينيه عن النظر إلى الأجنبيات ويصون قلبه الرقيق من وساوس الشياطين، ويحلي الصائم نفسه بالصدق والإخلاص، ويتجنب الشح المذموم والبخل الممقوت. عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً لم يعطهن نبي قبلي: 1 أما واحدة: فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً. 2 وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك. 3 وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة. 4 وأما الرابعة : فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي. 5 وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعاً. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (سورة البقرةم 183). هذا نداء إلهي يدوي في جنبات الوجود ويحلق في آفاقه منبها إلى فريضة الصوم. ختاماً، فإن ما ينبغي تأكيده أن الصوم ورمضان مدرسة، فهل آن أوان التعلم والتربي والإفادة من عبر ودروس وحكم وخصال الصيام؟.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
| |
|