Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/10/2006G Issue 12425الرأيالخميس 13 رمضان 1427 هـ  05 أكتوبر2006 م   العدد  12425
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

استراحة

دراسات

دوليات

متابعة

منوعـات

نادى السيارات

نوافذ تسويقية

الرأي

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

سماء النجوم

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

إلغاء الآخر
مي عبدالعزيز السديري

مجتمعنا العربي كأي مجتمع من المجتمعات يحتوي على عينة من الأفراد الذين لا همَّ لهم إلا الحديث عن أنفسهم والإحساس بأهمية ذواتهم بشكل مفرط وكأنهم فوق البشر، ويمكن وصفهم بأنهم مصابون بداء عضال اسمه محاربة الآخرين وإلغاؤهم بل وطمس هويتهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا. والغريب في الأمر أنهم راضون وفرحون بذلك الداء، بل ويفتخرون به ويعتقدون أن بإلغائهم الآخر يستطيعون أن يلغوه ويزيلوه من الوجود. علماً أن تصرفهم هذا إن كان له أن يلغي أحداً فإنه سيلغيهم قبل أن يلغي غيرهم لا لشيء إلا أن ذلك التصرف يبعد الناس عنهم ويجعلهم مكروهين بل ويصنفهم الناس بأنهم فئة جاهلة مصابة بجنون محاربة الآخرين.. كيف لا وهم بعملهم هذا يبتعدون عن جميع أصناف اللباقة والكياسة.
وللموضوعية فإن من النقد البنّاء الذي يتطلب تصويب السلوك والإقلال من الخطأ وإن أمكن إزالته لا بد لنا من القول إن مجتمعنا العربي يسوده شعور حب الذات والفردية، وقد انعدم فيه الإيثار، حيث نجد أينما ذهبنا وحيثما حللنا العديد من الأشخاص الذين يحاولون طمس مآثر الآخرين بل ومحاربتهم بجميع أنواع الوسائل الظاهرة والباطنة، وكأن المجتمع لا يوجد فيه تكامل وتناغم، وكأنهم يريدون أن يقولبوا المجتمع حسب أهوائهم الشخصية مع إخضاعه لمفاهيم لا تتعدى أن تكون مفاهيم مغلوطة خاطئة بعيدة كل البُعد عن الحق والخير والجمال.
والأغرب من ذلك أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم ينقلبون على ذاتهم إذ نجدهم يمجِّدون من كانوا بالأمس يحاولون قهره وإلغاء وجوده قبل موته فيكثرون من ذكر حسناته وأعماله المجيدة وأخلاقه المثالية ظانِّين أن الناس قد نسوا الأوصاف الشنيعة التي كانوا يصفون بها ذلك الشخص بل والمساوئ التي كانوا يسقطونها عليه في حياته.. ولا يكتفون بالحديث المباشر أمام الناس عن المتوفى بل نجدهم يتطوعون فيكتبون عن إنجازات المتوفى وخدمته لمجتمعه وأمته على صفحات الصحف والمجلات، بل ويعطرون مناسبات ذكراه وميراثه بأجمل العطور ويزيِّنون تلك المناسبات بالياسمين والورود وأكاليل الغار.. والمضحك أنهم يقومون بهذا لا حباً في المتوفى ولا وفاءً له ولذكراه وإنما لأنه قد أصبح غير منافسٍ لهم حسب رأيهم، فقد واراه الثرى ولم يعد قادراً على التكلم أو الكتابة.
إلى هذا الصنف من المخلوقات المنسوبة إلى بني البشر نقول إن المجتمع لا ينمو ولا يرتقي ولا يصعد سلم التطور ولا يصبح مجتمعاً خيّراً كريماً معطاءً إلا بالتكامل والتكاتف والتكافل والتخلِّي عن الأنانية والانخراط في صفوف الجماعة والعمل المشترك والتعامل المخلص.. عندها فقط يصبحون لبنات صالحة في المجتمع، لهم ما له وعليهم ما عليه.. قال تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} سورة الحشر- الآية (9). نرى في هذه الآية الكريمة أن الله عزَّ وجلَّ يزكِّي من يفضلون مصلحة الآخرين على مصلحتهم. وإننا لا نطالب الفئة موضوع البحث بأن تؤثر الآخرين على أنفسها، ولكن ننصحها بأن لا تبخل على نفسها لأن تصرفها ليس إلا حرماناً لنفسها من محبة المجتمع والناس.. بل نطالبها بالحد الأدنى على الأقل، فلا تضرب الناس بالحجارة وهي تعلم أن لديها عورات كثيرة وللناس ألسن، وعليها أن تتذكر أن الإنسان يأتي إلى هذه الدنيا ويخرج منها دون أن يتمكن من رؤية أحبابه، وعليها أيضا أن تتذكر أن مشوار الحياة قصير وما عليها إلا أن تنسى كلمة (أنا) وأن تسعى إلى تحقيق المكاسب المادية والوصول إلى المناصب الرفيعة دون أن تنكر على الآخرين سعيهم الشريف لتلك المكاسب والمناصب. ولا بد لتلك الفئة أن تراجع نفسها وتقرّ بأن إلغاءها مارد (الأنا) في نفسها، ذلك المارد الذي يسيطر على دواخلها وجوانحها، أمرٌ تحتمه مصلحتها ومصلحة مجتمعها، وبهذا تتحقق المصالح للجميع، وبهذا نستطيع أن نقول إننا لا نخسر أنفسنا، بل بالعكس نكون قد تعاملنا بالأسس التي يعتمدها ديننا الحنيف، تلك الأسس التي ترفع أعمدة النجاح والتقدم وتزيل البغضاء والشحناء بين أفراد المجتمع.
وإذا استعرضنا بعض الشخصيات الناجحة التي أحبها الناس وأمعنّا النظر في طريقة سلوك تلك الشخصيات لاستفدنا، فيمكن أن نعطي مثلاً على ذلك فرانكلين روزفلت الذي عرف أهم وأبسط الطرق لحب الناس وهما ذكر أسمائهم وجعلهم يشعرون بالأهمية، وقد كان يحفظ أسماء خدمه ويسميهم بأسماء الدلع؛ إذ إن الناس يفخرون جداً بأسمائهم، ومن اللباقة أن نناديهم بها. وعندما كان روزفلت يتوقع قدوم شخصٍ ما كان يجلس حتى وقت متأخر من الليل يقرأ الموضوع الذي يعلم أن ضيفه مهتم به بصفة خاصة، وقد ثبت أن الطريق إلى قلب أي شخص هو أن تحدثه عن الأشياء التي يعتزّ بها. فقد ذُكر عن روزفلت أنه كان يريد أن يعقد صفقة مع بريطانيا، وبعد محادثات طويلة تعثّرت الصفقة ووصل خبر إلى روزفلت أن اللورد المسؤول عن الصفقة سيزوره فسأل عن اهتماماته وعلم أن اللورد يهتم بالخيول، فما كان منه إلا أن قضى الليل بطوله في دراسة الخيول وأنواعها وأفضلها وأسمائها وأثمانها، ولما وصل اللورد دعاه إلى مهرجان خيول احتوى الكثير من أنواع الخيول، ولم يناقش معه الصفقة، وكان انطباع اللورد عن روزفلت أنه رجل عظيم وقد أعجب به غاية الإعجاب وقبل وداعه لروزفلت أبرم عقد الصفقة معه.. نعم عقدت الصفقة دون نقاشها لا لشيء إلا أن روزفلت حدّث ضيفه عن اهتماماته وعن الأمور التي يحبها. لقد كتب أحد أصدقاء بنيامين فرانكلين رسالة إليه قال له فيها (أنت شخص يصعب التعامل معك وإن آراءك كلها إهانات لكل من يختلف معك، أصدقاؤك يجدون متعة كبيرة عندما لا يجدونك، أنت تعلم كل شيء لدرجة أنه لا يوجد أي أحد يمكنه أن يقول لك أي شيء)، ومع ذلك فإن فرانكلين لم يغضب، ولكن تلك الرسالة كانت وقفة مع الذات ليرى نفسه على حقيقتها ويصحح ذاته. ومن بعدها أصبح ذلك الرجل العظيم الذي خلده التاريخ.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved