| |
استرعى انتباهي الاستثمار.. في تدريس الإعلام د. عبد الله بن ناصر الحمود(*)
|
|
ثمة إشكالية كبرى تواجه المجتمع العربي اليوم نتيجة الضعف الواضح في مخرجه الإعلامي مقابل المخرجات الإعلامية العالمية الاحترافية. ذلك أنه على الرغم من التقدم الذي تحقق في قطاع الإعلام العربي مقارنة بالعقود الغابرة المنتهية، إلا أنه ما زال غير قادر على مجاراة الإعلام المتقدم جداً على مستوى الشكل والمضمون. ويمكن باستقراء الواقع الإعلامي العربي الخلوص إلى ما يلي: أولاً: إن التعليم الجامعي والعالي في مجال الإعلام يواجه تحديات كبرى على مستوى الأهداف والوظائف والآليات. ثانياً: إن المجتمعات العربية بشكل عام غير قادرة وفق آلياتها الرسمية على ملاحقة التغيرات السريعة الكبرى في مجال الإعلام والاتصال وعلى توفير متطلبات التعليم الإعلامي الفعال سواء من خلال توفير المكتبات والمراجع المتخصصة ودعم وتشجيع التأليف والنشر في قطاع الإعلام أم من حيث البنى التنظيمية الرسمية القادرة على إحداث تغييرات فاعلة وسريعة. ثالثاً: هناك ثمة مشكلة متجذرة في مستوى التواؤم بين مخرجات أقسام الإعلام والاحتياجات الفعلية لسوق العمل، حيث ألقت تلك المشكلات التي يعاني منها قطاع التعليم الإعلامي الحكومي بثقلها على طبيعة المخرج النهائي لتلك الأقسام من حيث ضعف تأهيله بشكل عام والنقص الحاد في التأهيل المهني والتدريب التقني بشكل خاص. وبشكل أكثر تحديداً التدني الكبير في المعرفة التخصصية الإعلامية بطبيعة التغير في التقنية الإعلامية العاملة في أرض الواقع الإعلامي والاتصالي المعاش اليوم. رابعاً: إنه على الرغم من بروز الحاجة الكبرى لسد هذا النقص وتسديد هذا العجز، إلا أن القطاع الخاص لا يزال متخوفاً من أن يخوض هذه التجربة نظراً لتكلفتها في المقام الأول ولعدم ضمان العائد الأكبر المادي منها فيما لو تم خوض التجربة. خامساً: إن التجارب الموجودة في المنطقة العربية للتعليم الإعلامي عبر القطاع الخاص اتجهت بشكل أوسع وأكبر للتأهيل على مستوى الدورات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وقد استطاعت بذلك هذه الجهود أن تحقق شيئاً من المخرج الإعلامي النهائي القادر على التفاعل - ولو بقدر - مع احتياجات السوق، وهو الأمر الذي يشير إلى التخوف من جديد، وقد يحول دون الإقدام على التعليم الجامعي والعالي في القطاع الخاص. إن السوق الإعلامية اليوم سوق سريعة ومتحركة والتعليم الجامعي يحتاج وقتاً وصبراً وأناة. وللجمع بين هذين المتناقضين يحتاج الأمر إلى تغليب المصالحة الوطنية والعربية على المكاسب المادية. ولأن هذه الحاجة لن تروق لأصحاب رؤوس الأموال الذين يحسبونها بهامش الربح والخسارة، فإن التضخم الكبير في سوق الإعلام قادر على منح المستثمرين في تعليم الإعلام ضمانات جيدة لأن يحققوا أرباحاً مقبولة، وفق خطط مرحلية متوسطة وطويلة. وحتى يمكن الانتقال من الأماني إلى التنفيذ لمواجهة احتياجاتنا الإعلامية في عالمنا العربي بشكل عام، وفي مجتمعنا السعودي بشكل خاص، فقد يكون من المناسب (على أقل تقدير) اتجاه عدد من المستثمرين لدراسة السوق بجدية واهتمام، وتحديد مدى الجدوى الاقتصادية والتسويقية لكليات ومعاهد وأكاديميات خاصة متخصصة في تدريس الإعلام بكل علومه وفنونه على مستوى الدبلومات والبكالوريوس والماجستير، في القطاعين النظري والمهني، مع الأخذ بعين الاعتبار الجدوى الاستراتيجية الوطنية عندها يمكننا أن نخرج أجيالاً مؤهلة تأهيلاً عالياً ومتقدمة في ميدان من أكثر الميادين المعاصرة هيمنة على القرارات السيادية حول العالم. إنها إذاً دعوة لرجال المال للمساهمة في صناعة وتجهيز رجال الإعلام، من الأجيال الصاعدة، لأن السفينة واحدة، فإن هي خُرقت أكثر مما هي قد انخرقت راح منا المال والإعلام لا أرانا الله ذاك اليوم.
(*) نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
alhmuoodmail@yahoo.com |
|
|
| |
|