الثقافية - هيثم السيد
ما زال بائع إحدى دور النشر المحلية في معرض الكتاب يتذكر مشهد زائر المعرض السبعيني أبي محمد الذي توقف أمام الجناح وهو يتساءل بشيء من الانزعاج الهادئ «نبي شعر.. أنتم ما عندكم غير روايات؟» في حين لم يكن للبائع أن يتخيل وجود ذائقة مختلفة عن عشرات الزوار الذين يمرون عليه يومياً ولا يطلبوا شيئا غير الروايات، للمصادفة فقط وجد البائع ديواناً شعرياً ضمن إصداراته الجديدة وقدمه للزائر الانتقائي، غير أن هذا الأخير اكتفى بتصفح الديوان سريعاً، ثم أعاده إلى مكانه معلقاً «هذا تفعيلة، والتفعيلة ما هي شعر!»
اختلاف الأذواق سنة طبيعية، لكن عشاق الشعر يواجهون خلال السنوات الأخيرة انحسارا متصاعدا على مستوى الإنتاج الشعري الذي تقدمه معارض الكتب في الوقت الذي اتجه الذوق الثقافي العام نحو الرواية والكتب الفكرية كخيارات أساسية للقراءة، وبالنسبة لشخص مثل أبي محمد فإن الاتجاه الفني الخاص داخل القصيدة قد لا يؤثر على الأمر كثيراً، فهاجس الحصول على كتاب شعري قد يضعه أمام خيار وحيد هو البحث عن كتب التراث أو مجموعة الأعمال الكاملة لأسماء معروفة، وهو واقع يشبه إحالة ذائقته إلى التقاعد!.
يبادر الناشر عبدالرحيم الأحمدي صاحب دار المفردات بسؤال مؤداه «لماذا لم نعد نجد كتباً للشعر؟ «فيجيبك ببديهة عالية « وهل هناك شعر أصلا؟»..قبل أن يضيف «حتى لو فرضنا وجود نماذج شعرية جيدة، فالمسألة باتت مرتبطة بتسويق الكتاب وخرجت منذ زمن عن الطابع الثقافي أو الأدبي.. حتى المكتبات لم تشترط على دور النشر نوعية معينة من الكتب تتصل فقط بالروايات ذات الطابع الفضائحي أو كتب الطبخ» مشيراً إلى أن معرض الكتاب أصبح - عملياً - الفرصة الوحيدة لعرض كتب شعرية.
وحول استمرار الدار في نشر بعض الدواوين الشعرية رغم هذا الواقع غير المشجع، يعلق الأحمدي «نحن ننشرها بناء على رغبة الشاعر وضمن تحمله شخصياً لمسؤولية التسويق والتوزيع لكتابه».