لا أجد نفسي هنا، وأنادي في كل تصرفاتي أن هذا المكان ليس مكاني،وما يُصَعب عليَّ الأمور أن من حولي لا يقبلونني، أشعر أن قدراتي معطلة، قالوا إن على الإنسان أن يسعى لقنص مكانته، فهل أتحول إلى ضرير لا يرى إلا مصلحته وأنصرف إلى حشد جهودي لاقصاء الآخر؟ صرت كأنني بجعة أعيش في بلاد البط،لا أجد من الجميع سوي السخرية من لون ريشي وطريقتي في المشي أوالعوم وتحمل قسوة رد فعل الآخرين لكل ما أفعله،تسربت القسوة لنفسي فأصبحت مكدر المزاج لاأفكر إلا في رد فعلهم تجاهي،انهم يتربصون لي.
****
يحكي بيتر أندرسون حكايته الشهيرة بعنوان «البطة القبيحة» فحينما فقست البيضات وجدت الأم فرخاً لونه مختلفا «قالت البطة العجوز للأم: أفراخك جميلة جدا باستثناء ذي اللون الرمادي فأجابتها: انت محقة، الا انه يمتاز عن سواه «قالت البطة العجوز»:ما خلا هذا الفرخ فصغارك ظراف..أهلاً وسهلاً بكم فيما بيننا،ومنذ ذلك الحين بات الفرخ القبيح أضحوكة الكل، ليس هذا فحسب بل أصبح طريد الدواجن على اختلافها»
وتدور فكرة الهرب في عقل الفرخ المعزول فيترك موطن البط حتي تصادفه سيدة عجوز فتفعل فيه خيرا وترعاه حتي يأت سربا من البجع ليكتشف انه يرتاح معهم،ليتفاجأ انه بجعة،فينضم لهم.
***
أعود للإنسان لنجد أن الميزة البشرية الأهم هي التعايش والتحاور وقبول الآخر، وأكاد أجزم أنه لا يوجد إنسان معدوم القدرات أو غير قابل للتواصل والتعلم والتفاهم، لكن المشكلة في إدارة وتوظيف الإمكانيات والتأهيل والتدريب أو حتى إن كان على خطأ فهناك المساحة التي يجب أن يحظى بها سواء ليراجع نفسه أو لنسمح لبعضنا بالفاهم والاختلاف بالتأكيد ستسمح تلك المساحة بالمراجعة المستمرة ان وجدت.
أما التصنيفات والعنصرية، وأي انتماء ضيق حتما هو أمر مبالغ فيه يستند علي أفكار ضيقة تعطل الحياة الإنسانية وتخل بها،و لا تصب في صالح أي من أطراف المجتمع فالإنسان كائن يميل إلى الحياة الآمنة المطمئنة.
تخيل معي ما شعور هذه البجعة بجدة البط؟ وبمن سخروا منها؟ وما شعورها حينما خرجت من مدينة البط كسيرة؟ وما قوة عطائها في عالمها الجديد الذي وجدت فيه نفسها، الحياة تتسع للجميع...
salehelghazy@live.com
هولندا