لو اجتمعت الجمعية العمومية للأندية الأدبية اجتماعها السنوي لتصادق على الميزانية والحساب الختامي للسنة المالية المنتهية، وتقدم أعضاء المجلس ليوضحوا لها أن المليون المخصص لأنشطة الأندية قد تم صرف معظمه على أنفسهم، فذلك من حقهم بنصوص اللائحة المالية المعتمدة. لن يسع الجمعية العمومية سوى إبراء ذمة المجلس وأعضائه رغم أنهم أول وأكثر المستفيدين من الميزانية، وحين يصادقون على مشروع الميزانية للعام الجديد سيعطون موافقتهم منصاعين؛ لأن استحواذهم على نصيب الأسد من المال هو حق مشروع لهم بلا تعديات ولا مخالفات.
كيف ستسألون؟.. ولذلك فسنستعين باللائحة وعمليات الحساب من جمع وضرب؛ لنؤكد أمرين: إما أن من وضع اللائحة لا علم له بالمبلغ المخصص كإعانة للأندية الأدبية وهو مليون ريال سنوياً فمد اللحاف حتى كشف الرجلين والساقين، وإما أن من وضع اللائحة كان على علم بالملايين العشرة التي منحها خادم الحرمين الشريفين كإعانة للأندية الأدبية ومد اللحاف عشرة أمتار؛ ليغطي أقدام الأعضاء العشرة ويفيض. في الحالتين يحق لأعضاء مجلس الإدارة قانوناً صرف المليون بكامله لصالحهم لو شاؤوا، ولو أنهم تكرموا وترفعوا وتعففوا فإن هذا الصرف في أضيق حدوده سيلتهم ثلاثة أرباع المليون.. ولنبدأ الحساب بمنصوص اللائحة:
مادة 12: مكافآت الإداريين من أعضاء مجلس الإدارة كالآتي: رئيس النادي 5000 ريال، ولنائبه 4000، وللمسؤول الإداري 3000، وللمسؤول المالي 3000 شهرياً، نضربها في 12 شهراً يكون الحاصل: 180.000 ريال.
ومادة 11: تمنح لأعضاء المجلس العشرة مبلغ 750 ريالاً في كل اجتماع للمجلس، على ألا يزيد عددها على جلستين في الشهر الواحد، وعليه نضرب 750 ريال * عشرة أعضاء * 2 اجتماعَيْن * 12 شهراً، فيكون الحاصل 180.000 ريال أخرى. وأستطيع أن أؤكد هنا حرص المجالس الشديد على الانعقاد مرتين في الشهر، حتى لو تعاقب الاجتماعان في يومَيْن، بل أحياناً يجتمع الأعضاء في يوم واحد مرتين بينهما فاصل استراحة؛ ليسجلوا اجتماعين ويوقعوا على محضرين، ويستحقوا مكافأتين. ومن شدة الحرص على الاجتماعات يجري الاتصال عن طريق الإنترنت (السكايب) بالأعضاء الدارسين والعاملين خارج المملكة، ثم تحويل المبالغ لحساباتهم في الخارج، المهم أن يكون هناك اجتماع واستحقاق ولو عن بعد.
حتى الآن صُرف من الميزانية مبلغ 360.000 ريال على أعضاء المجلس الموقر، ولن يتوقف الأمر هنا، بل إن المادتين 13 و14 ستعطيهم المزيد من الاستحقاقات من خلال التكليف بالعمل فيما يسمى بالمهمات الثقافية داخل وخارج المملكة، وهاتان المادتان تشترطان عدم تجاوز المدة المسموح بها، وهي خمسة أيام للمهمة الواحدة (وإن زادت يتم الحصول على موافقة الوزير)، لكنها لا تحدد عدد المرات التي سيسافرها العضو الواحد. وسنكون عادلين كما نتمنى أن يكون أعضاء المجلس، ونفترض أن من حق كل عضو من العشرة أن يُكلف مرة واحدة فقط لداخل المملكة وأخرى للخارج، وسنفترض أنهم لن يطمعوا في تمديد المدة إلى أكثر من خمسة أيام.
أما تكاليف التكليف فهي كالآتي: يصرف للداخل مبلغ 800 ريال عن كل ليلة إضافة إلى تذكرة أفق، وللخارج مبلغ 1.000 ريال إضافة إلى تذكرة أفق. لو سافر العشرة أعضاء للداخل مرة واحدة فتلك تذكرة متوسط سعرها 1.500 ريال + ( 800 ريال* 5 أيام) * 10 أعضاء ، فيكون ناتج الضرب = 55.000 ريال. أما رحلات الخارج فيصرف للمكلف تذكرة متوسط سعرها 4000 ريال + ( 1.000 ريال * 5 أيام ) * 10 أعضاء + ، فيكون الناتج = 90.000 ريال، أي 145.000 ريال.
وهذا ليس كل شيء؛ فاللائحة تعطي صلاحيات أكثر لها مستحقات مالية أيضاً، فلجان النشاط الدائمة بالنادي يجب أن يرأسها عضو من المجلس، ويشترك في عضويتها عضو آخر، والمادة 22 تحدد صرف 500 ريال لرئيس اللجنة و350 ريالاً للعضو لكل جلسة يعقدها المجلس، بشرط ألا تزيد على جلستين في الشهر الواحد. لو سلمنا جدلاً بأن بالنادي خمسة لجان، (واللائحة لا تحدد عدد اللجان فقد يصل عددها للعشرة)، بكل لجنة عضوان من المجلس، أحدهما رئيس والآخر عضو، لتوصلنا للحسبة الآتية: 5 أعضاء رؤساء * 500 ريال * 2 جلستين * 12 شهراً يكون الناتج = 60.000. ولو كان الأعضاء مجرد أعضاء: 5 أعضاء * 350 ريالاً * 2 جلستين * 12 شهراً، فالناتج هو 42.000 ريال؛ وعليه فإن هذه المادة تمنح الأعضاء فرصة الحصول على مبلغ قدره 102.000 ريال على أقل تقدير.
وستتسرب المكافآت من بنود أخرى، فالمادة 24 تحدد مكافآت التحرير للدوريات الصادرة عن النادي بواقع كل عدد كالآتي: رئيس التحرير 3.000 ريال، ويصرف لهيئة التحرير مبلغ 5.000 ريال. لو افترضنا أن النادي سيصدر دوريتين فقط (ونادي جدة مثلاً يصدر خمس دوريات)، فإن رئيس التحرير وعضو من هيئة التحرير هم أعضاء في مجلس الإدارة، وعليه فإن للعضو رئيس التحرير مكافأة 3.000 * 2 دوريتين * عددين في السنة = 12.000 ريال، وللعضو في هيئة التحرير: 1.000 ريال * 2 دوريتين * عددين في السنة = 4.000، وبما أن المادة 26 تنص على أن رئيس مجلس إدارة النادي هو المشرف العام على الدوريات الصادرة عن النادي، فمن حقه الحصول على مكأفاة تساوي مكافأة الإشراف على طباعة أي من كتب النادي بشرط ألا تزيد على 1.000 ريال، فتلك 4.000 ريال أخرى؛ ليصبح المستحق من بند الدوريات هو 20.000 ريال.
أما المادة 15 فتحدد مكافآت المشاركين في المحاضرات والندوات بمبلغ 1.000 ريال للمشارك، ومبلغ 500 ريال لإدارة الندوة، وعلى أقل تقدير فإن كلاً من الأعضاء سيكون له مشاركة واحدة في المحاضرات أو الأمسيات أو الملتقيات، وكذلك فإنه لا قانون يمنعهم من إدارة كل الجلسات والندوات، لكننا سنفترض فيهم العدل والنزاهة، ونقول إن كل واحد منهم سيشارك مرة ويدير مرة واحدة فقط، وعليه فإن 10 مشاركات ستجعلهم يحصلون على مبلغ 10.000 ريال، وإدارة واحدة 5.000 ريال، فتلك 15.000 أخرى.
حسناً، لنبدأ الجمع: مكافآت إدارة 180،000ريال + انعقاد مجالس 180.000ريال + مهمات ثقافية 145.000 ريال + لجان النشاط 102.000 ريال + تحرير الدوريات 20.000 ريال + إدارة الندوات والمشاركة في المحاضرات 15.000 ريال، يكون حاصل الجمع هو = 642.000 ريال.
هذا المبلغ الضخم لم يُضف إليه مكافآت محتملة أخرى مثل اللجان المؤقتة، وطباعة الكتب الخاصة بالأعضاء (لو أراد كل عضو أن يطبع كتاباً لنفسه فما من مانع)، ولا مراجعة المطبوعات ولا التحكيم ولا الدورات التدريبية. كما لم يضف إليه نثريات أخرى كاتفاق مجلس الإدارة مثلاً على ضرورة منح الأعضاء أجهزة آي فون لتسهيل الاتصال بينهم، أو منح الإداريين مكافآت تقديراً لجهودهم منقطعة النظير.
هذا المبلغ الضخم لن ينال المثقفون منه إلا النذر اليسير لو تكرم به أعضاء مجلس الإدارة الذين سيصرفونه على أنفسهم قانوناً وفي أضيق الحدود؛ إذ لا قوانين في اللائحة تربط الزيادات الممكنة في بنود الأنشطة. ولا ننسى هنا رواتب الموظفين والحارس والسائق، وأن المبنى والسيارة لهما فواتير جامدة مثل الكهرباء والماء والصيانة والبنزين، كما أن الاجتماعات والندوات والملتقيات كلها لا تستغني عن الأكل الذي يتدرج من السندويتشات إلى المفاطيح!!
Lamiabaeshen@gmail.com
جدة