Culture Magazine Thursday  06/06/2013 G Issue 409
مراجعات
الخميس 27 ,رجب 1434   العدد  409
 
استراحة داخل صومعة الفكر
لا تلوموه إذا غضبا
سعد البواردي
-

 

حبيبنا العثيمين أشبه بالسحابة لها برق. ورعد. ومطر.. تارة مطرها رافعاً يغدق. وأخرى دافعاً يغرق.. يبوح بما يؤمن به دون خوف.. الصمت في أدبياته دائماً ليس حكمة.. والصوت في ثقافة من أجل كلمة حق نعمة.. هكذا عودنا عبر تاريخه أنه عربي حتى النخاع.. وأبي حتى الإشباع.. مصير أمته وإنسانه هاجس يقض مضجعه أن يخاف منه ويخشى عليه.. يخاف استكانة ومذلة. ويخشى عليه إهانة تطال حريته. وتغتال أمته.. لسوف نقرأ سوياً كل هذا في ديوان.. لا تلوموه إذا غضبا.. وهو غاضب يرى أمته ومستقبلها ومصيرها يتداعى أمام إعصار الأحداث حتى ليكاد يتمزق غضباً وغيظاً..

بداية بعنوان.. وفاتحة ديوان «لا تلوموه»:

لا تلوموه إذا غضبا

مثلكم من يعرف السببا

حب أمريكا تملكه

ففدته أماً له وأبا

وغدا يهذي بطاعتها

ويرى تمجيدها قربا

ومعنى الحب مهجته

تفتدي محبوبته طربا

ترى من يعني شاعرنا الغاضب؟

ما له إن كان فاتنه

يكره الإسلام والعربا

أو يكن عراب صهينة

تبتني في قدسنا نصبا

ليت شفع تساؤله بعلامتي استفهام وتعجب (؟!) لا أحد يلومك في غضبتك المضرية. اللوم كل اللوم على كل من ينفسخ من جلده.. ويطعن أمته في تاريخها وحقها السليب..

العيد في نظره قيمة إنسانية نفرح لها ونطرب لها.. إنها فرحة حياة يحكمها العدل. والعلم. والحب. والرحمة. والمشاركة دون هذا ل عيد ولا يحزنون ولو ارتدينا للعيد أحلى الثياب.. وقدمنا فيه من موائد الطعام ما لذ وطاب. لنستمع إليه هو يعدد ويحدد مثالب ومقالب تنزع عن قيمة العيد عذريته وقيمته وهو يتذكر أبا الطيب المتنبي ويشير إليه في بعض مقاطع شعره:

ما كان أروع من دانت شواردها

له. وأرهق من حاكوه تسهيد

فذ الطموح تعالى عزم همته

عما ارتضاه نديم الذل رعديد

لا يقبل الضيم إذ لاحت بوادره

من حاكم زفه للحكم إخشيد

واستأسدت في ثرى مصر ثعالبه

حتى احتفت من جني الكرم العناقيد

هذا عن الماضي.. كانت حالة عاشها وعايشها المتنبي ماذا سيقول لو كان حيا على مشهد الهزائم وثبوط العزائم؟!

ماذا تراه لو أن العمر مد به

وحاضر العرب بالإذلال عربيد

ماذا يقول؟ أيجلو صوت مذوده

وجه الحقيقة؟ هل تخلو الأناشيد؟

واستعرض مصر وما آلت إليه من انتكاسة في سياستها وقيادتها. وفلسطين.. أي ما تبقى من أرض فلسطين.

والسادرون من الحكام ديدنهم

في كل زاوية شجب وتنديد

ناهيك عن مستجدات الأحداث. ما آل إليه العراق. وسوريا. والسودان. والصومال. وأقطار أخرى تواجه قدرها ومستقبلها الغامض.. ويتساءل قبل هذا وبعد هذا:

أين المفر؟ وهل في الأفق في أمل

يرجى؟ وهل يعقب التمزيق توحيد؟

أخي على المجزأ أن يجزأ.. تلك هي أهداف الطامعين في خيراتنا ومدخراتنا.. الأمل وحده لا يكفي.

«هل لنا من أرب» مقالة تستنهض الهمم إن كان لنا في البقية من همم.. نفس المناداة ونفس المفاجآت. ونفس القلق.. ونفس التساؤلات المخيفة..

«هل لنا من أرب؟» مقطوعة جديدة مفرداتها مناشدة وأسئلة لأرباب الفكر والأدب:

منتهى الأحلام والأرب

يا رجال الفكر والأدب

أن تعود القدس خالصة

لبني الإسلام والعرب

حرة من رجل صهينة

دونها تجريح كل أبي

ويعيد العرب عزتهم

بشبا التصميم والغضب

يا عزيزي. العرب مشغولون بأنفسهم.. ساحتنا العربية تسودها الفوضى والنزاعات من المحيط إلى الخليج.. وإسرائيل تهيئ نفسها لإقامة هيكل سليمان كما تزعم.. حتى الحرم القدسي مهدد بالزوال.. هل بعد هذا من مناشدة.. لا أحد يسمع

تحدث أبا الهول. هذا زمان

تحدث فيه حتى الحجر

هذا هو الواقع يا عزيزي..

كل همَّ شاعرنا القضية.. والقضية ضائعة. لا أحد يعلق الجرس.. ومع هذا يكثف صرخته لعل وعسى:

«نهر من العجب» إحدى صرخاته:

ليس من طبعي. ولا أدبي

خلط جد الأمر باللعب

وسمات المجد واضحة

للذي يرنو بلا حجب

من يكابر في تجاهله..

حيف أمريكا على العرب

فهو جاف عند أمنه

موحيات الدين والنسب

مثل كل باع موطنه

لذوي الطغيان كالجلبي

كثرة هم الجلبيون.. العملاء كثير. والعلماء العارفون ببواطن الأمور أكثر. ولكن ماذا يجدي وقد اختلطت الأوراق فيما تميز بين السراب والماء. وبين الفجر الأسود من الفجر الأبيض.. العيون يحجبها العمش والعمى معا..

شاعرنا العثيمين أحب أوباما لأنه أعطى مجرد وعد بحل القضية الفلسطينية قبيل انتخابه سيداً للبيت الأبيض وزعيماً لأكبر دولة كونية.. ومن حقه ومن حق غيره أن يحب على أمل بوفاء الموعد.. نجح أوباما ولم ينجح الوعد لأن الذي يحكم السياسة الخارجية الأمريكية هو اللوبي اليميني المسيحي المتطرف الموالي لإسرائيل.. صحيح أن أمريكا تحكم العالم.. والصحيح أيضاً أن إسرائيل والمتصهينين يحكمون من يحكم العالم.. أما الوعد لأوباما فقد تعرت أوراقه وتناثرت أمام الهجمة اللوبية.. لقد حيل بين أوباما وما كان وعد به..

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا

وما مواعيده إلا الأباطيل

البعض من قصيدة شاعرنا لأوباما قبل أن يكن رئيساً:

تأملت فيما قال أوباما

فألفيت ما أبداه حول الحمى حاما

ومن ذا الذي يدنو إلى مستوى امرئ

تجلى بميدان السياسة مقداما

هو العبقري الفذ شق طريقه

إلى المنصب الأعلى فحقق ما راما

اخو ثقة بالشعب ليس بأرعى

عثا في بلاد الله بطش وإجراما

إلى أن يقول:

مساكين نحن العرب يكفي نفوسنا

مجاملة من ساسة الغرب إكراما

وهذا عين الصواب.. ما زالت المسكنة تسكننا يا عزيزي.. ليت أنها كانت السكينة إذا لطاب الأمر..

«عام من الذل» عنوان رمادي جديد:

عام من الذل قد أدبر

وملامح عز لا تظهر

عام قد دشنه بوش

فتولى مقوده الأسمر

عفريت.. لكن من إنس

سحري المنطق والمظهر

صارت من فيض براعته

بالقول جماعات تسكر

وتبدأ هنا التداعيات:

وبدا في القوم من انخدعوا

بجميل اللفظ هم الأكثر

يبدون الطاعة في خوف

ممن بالأمر قد استأثر

وإذا ما احتاج لبرهنة

من جملة طاعات تذكر

فحصار يكتم أنفاساً

وجدار من دون المعبر

سدا لكن من فولاذ

خشية أن يحرق أو يكسر

شاعرنا ضاق بالحصار الظالم على قطاع غزة.. واستفزه أكثر ذلك الحائط الفولاذي الذي فصل بين مدينة رفح الفلسطينية ورفح المصرية.. والكارثة أن الذي أقامه نظام عربي في وجه عربي خدمة لأعداء العروبة والإسلام..

يمضي شاعرنا في شكواه طرحاً لبلواه:

يا عاما مر وطابعه

ذل في المظهر والمخبر

داست صهيون كرامتنا

وبقينا بالشكوى نجأر

أوَ ما في الأفق سنا أمل

بربيع مخضل أخضر

واباة سيف عزائمهم

يجلو أدران من استكبر

لكأن على موعد المتغيرات.. ربيع عربي أعاد لأرض الكنانة وجهها العربي من جديد.. أزاح الكابوس المخيم عليها ردها من زمن.. فك الحصار فلسطيني غزة.. أنه بداية لفجر جديد.. وحلم جديد.. ومستقبل واعد لأمتنا العربية والإسلامية. كان حدساً من شاعرنا وتحقق..

«ما بين خرطوم وخرطوم» نافذة جديدة أبصرنا من خلالها مشهداً عربياً لمؤتمرين.. أولهما جاءت له صرامة الموقف في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.. والآخر أرخى صهوة عنان فرسه.. آثر أن لا يكش ولا ينش.. قصيدة شاعرنا رجع لموقفين مختلفين..

يحار فكري بين الفأل والشوم

والعرب ما بين خرطوم وخرطوم!

هناك أنعش آمالاً محطمة..

حتى بدا سيف عزمي غير مثلوم

وذا تراقبه الأبصار شاخصة

لله وهج أسى في الصدر مكتوم

إنه يتساءل من الملوم؟!

يا مَن يلوم نتنياهو على الصلف

لُمْ قادة خرجوا عن منهج السلف

واصحبوا كل ما ترجو نفوسهموُ

أن يُدمنوا الذل في بحبوحة الترف

إنه يشير إليه دون أن يسميه.. إذ لا حاجة لتسميته.. لأنه معروف..

كل يوم يمر يزداد ذلي

في فؤادي تمكنا ورسوخا

وإذا حرك الزعيم عصاه

ركع الكل للزعيم رضوخا

رحم الله موقفا كنت فيه

رافع الرأس عزة وشموخا

من يكون ذلك القرير العين الذي داس كرامته؟! سؤال مطروح.. لن تكلف الإجابة عليه جهدا.. إنه كل أجير وعميل يعمل لغير صالح وطنه وأمته..

فغض الطرف إنك يعربي

تمرغ في المذلة والهوان

يُداس على كرامته فيبدو

قرير العين مغتبط الجنان

يسبح تارة بمدح بوش

وأخرى بالنعيم الدنجواني

إذا ما شاء سيده يغني

ويعزف أن أراد على الكمان

أخيراً ماذا قال صاحبه لشاعرنا؟

قال لي صاحبي المؤمل حلا

بين طيات الحقوق مصونة

وطِّن النفس فالبشائر لاحت

في سماوات أمة مغبونة

وأساطين قادة الغرب منهم

من إذا الحق بان لا ينكرونه

قلت: كم من مؤمل يا صديقي

أخلف الواقع المرير ظنونه

لم أشاهد فيمن أشرت إليهم

زعماء يرعون ما يعلنونه

كل ما يزعمون محض نفاق

من نفوس بحقدهم مكنونة

إلى هذا الحد تنتهي رحلتنا مع شاعر عربي ملؤه النخوة والغيرة على أمته وعلى عقيدته.. صرح بما يعرف.. وصرح بما يعتقد أنه الحق. تحية إكبار له إنه صوت وطن وضمير أمة.

-

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5621 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة