لم تكن الرواية سعودية ولادة كما هي عليه الآن، بعد أن كان يمسك مقاييسها الدقيقة ويرسمها حق الرسم، أسماء معدودة كعبدالرحمن منيف وغازي القصيبي وعبده خال ورجاء عالم، فرغم الإصدارات التي لا تتوقف في الفترة المنصرمة مما نسميه (الطفرة الروائية) ولو أنها فاقت في الكم فقط ولكنها فقيرة كل الفقر في الكيف، ومن هذا الكيف رواية (رقصة أم الغيث) لكاتبها: عبدالرحمن العكيمي.
قرأت مقال الزميل علوان السهيمي في المجلة الثقافية من العدد 407 والملحقة بجريدة الجزيرة، والذي كان بعنوان: الاستعراض اللغوي وشتات المبدع.
حسبي أن الزميل علوان ظلم نفسه حين وقف في منطقة النقد الأدبي، متخطيا حدود منطقة الإبداع التي كان يقف عليها، مثله مثل أقرانه من المبدعين، مؤمن من أن النقد من المبدع أهم من النقد المتجرد من الإبداع بمعنى الخارج عن ممارسة الصنعة (الإبداع نفسه)، ولكن يبقى هناك نقطة مركزية أنه ليس كل مبدع يدرك النقد كإدراكه للإبداع، وهذا هو حال الزميل علوان، فقراءته لرواية رقصة أم الغيث كان بينها وبين النقد بعد المشرقين وأبعد من المغربين، ولعل أقل الأمثلة على ذلك حين أورد عن مشاعر الأم التي تتجه إلى ساحر ليربط سالم عن زوجته الجديدة انتقاما من طلاقه لابنتها).. وعلق عليه بقوله: .. (ما الداعي الأساسي لهذا الحدث الذي أخذ صفحات طويلة من النص في نهايته).. أقول له بحب ونبل: السارد الذي يمشي برفقة شخصياته أعلم يا صديقي، والعكيمي كان ملازما لكل شخصياته دون أن يشعر به القارئ، وكقولك ( ما الداعي الأساسي لهذا الحدث)،.. أقول لك: الداعي هو الانسجام السردي الذي حتمّ أن يأتي هذا الحدث تكملة ما لسبقه من أساطير تتابعت على زمن ومكان الرواية، مبرهناً على أن الراوي يسعى في ألا تضيع الجوهريّة لنصه.
قرأت هذه الرواية قبل عامين تماما، وها أنا أعبر عن انطباعي الذي كان من الأفضل نشره وقت قراءة الرواية، وليس في هذا الوقت الذي جعل من قراءته هذه محل تهمة أو ما شابه ذلك، لكن للكسل حقه الذي لا يتنازل عنه .. لقد كانت الأسطورة حاضرة بشكل واضح في النص، وموغلة في معانيها الحقّة، ورسومها الواضحة، حيث باتت الحبل المتين في الرواية والمغارة المخنوقة بالأسرار، في الوقت نفسه لا يخلو النص كغيره من النصوص من عيوب تعتبر كغيرها من تقليدية العيوب التي يقع في حبائلها كبار الكتاب.
تدور هموم الحياة في رحى القبيلة، حيث شيخ القبيلة وزوجة الشيخ وفارس القبيلة وفاتنها، وغيرها من الشخصيات التي أوقدت إحساس الانتماء في لباس القحط وحرارة العطش، حيث عبر العكيمي عن شخصيات من تعاملها مع بعضها بطبيعة الصحراء وجلافتها ومن عقدة (الأنا) لابن الصحراء وعلاقاته مع أبناء أرضه، لقد كيّف الكاتب شخصياته على أجواء رسمها لها ليرى كيف ستعيش في خياله، وحسبي أنه مدرك لما فعل، وسابر أسرار تلك النفوس القاسية بطبيعة عيشها.
لقد أوضحت الرواية معنى أن تحب الحياة، وذلك حين شدّني الإلمام الخارق بتفاصيل المكان، وبقياس الكاتب لنبضات الأرض في كل خطوات شخصياته، هناك غوص مدهش في معاني الانتماء للأرض، بالإضافة إلى انضباط خلاق في سير الزمن وتدوير المكان بين الشخصيات، كان عبدالرحمن العكيمي في نصه هذا هادئا ومنتبها لك خطوطه، ولا يعيبه ما وقع في من هنّات وقع فيها الكبار من قبله، كالإطالة في بعض المواضع من غير حاجة و لوأن الإطالة هنا كانت زيادة عادية لا تهزّ متن النص، وكالارتفاع الكثيف الأكثر من المطلوب في لغة النص.
في هذه الرواية فصول تتعاقب كالسلسلة لا يفصلها فاصل عدا الفاصل الرئيسي للانتقال إلى الفصل الآخر ثم الذي يليه، مما أراح ظهر النص جيدا حتى بلغت العمل نهايته.
***
كاتب وروائي
الرواية: رقصة أم الغيث
الناشر: الدار العربية للعلوم
سنة الصدور: 2010م
عدد الصفحات: 158 من القطع المتوسط