بين أحزاب اليوم والمنظمات المنفصلة العبثية وصعاليك الأمس قواسم مشتركة بأزمان متباعدة مليئة بالفواصل والنقاط والاستفهامات بقدر ألف عام ونصيفه يحمل أوجهًا مختلفة وبأعضاء متشابهة وعقول وقلوب يفصل بينها الضعف والقُوَّة والخوَر والجرأة والفقر والثَّراء يقتاتون على ولائم وغنائم يرون أنهَّم أحق بها من غيرهم ممَّن تنبت به أرضهم التي يزعمون أنهَّم فدىً لها يسدون بها رمق الفقراء منهم ويزداد الغني ثراءً وتخمةً ولن تفنى عناقيد المتنبي ما دامت بينهما تجارة لن تبور، فحق العيش المشترك أورثهم قوانين تعاقب عليها صعاليك اليوم من صعاليك الأمس ومازالت القوانين تُطبخ بليل ونهار وتحت نار تلظّى وهادئة بمبادئ جُعلت نبراسًا لهم وسراجًا وهّاجًا لا يضل أحد منهم حتَّى وإن كانت الطَّريق مظلمة وغير مستقيمة، فالخطوط المؤدِّية إلى الهدف واحدة هم أدرى بشعابها، ففي المصارعة الحرة الأمريكيَّة مسابقة ضمن مسابقات (W W E) العديدة تُسمَّى القوانين المتطرفة يسمح فيها للمصارع ما لا يُسمح لغيره باستخدام كل الطرق للقضاء على خصمه، فهي مسابقة اللا قوانين هكذا يُفترض ويكون المصارع صاحب القانون والنظام كذلك، كما نرى من بعض أحزاب اليوم وصعاليك الأمس، فليس هناك مبالاة بأعراف ولا حقوق وإنما كيدًا بدولة اليوم وقبيلة الأمس ونكايةً بمجتمع لم يعرف التوافق ولم يحسن أن يعالج مرضاه وسخطًا على وطن لم يعرف يحافظ عليهم مثل الرِّجال، فكان حقًا أن يستخدموا كل القوانين المتطرفة للقضاء على خصومهم مهما كان ولاؤهم كالمصارع لا أن يضعوا أيديهم في أيدي بعض ليبنوا وطنًا يكون للجميع، فالمقعد في عرفهم لا يتسع لاثنين، وما أريكم إلا سبيل الرَّشاد هكذا يقول كبيرهم، فالأحزاب والمنظمات لهم تقاسيمهم وموسيقاهم الولائية وأناشيدهم المعروفة كأشعار الصعاليك الخاصَّة يعزفون لحنًا واحدًا يكنّون له الوفاء ويخلصون له أشد من إخلاصهم لأوطانهم ويحبونه كحب الوالد للولد لحنًا خالدًا مقدسًا مهما كانت المُتغيِّرات الملازمة للإِنسانيَّة في كلِّ زمن فلحن السيطرة والجشع والأنانية شعارٌ ودثارٌ قد غلب على الفطرة التي وُلدوا عليها والحُرِّية وحب الوطن التي شبّوا في المدارس تلهج بها ألسنتهم في كلِّ صباح فكانوا كخضراء الدِمَن في المنبت السوء. فالقوانين والأنظمة العادلة من الله سبحانه وتعالى وقد أنزلها على رسله ليحكموا بين العباد (لكلٍ جعلنا شِرعةً ومنهاجًا) فجعلوا ما صنعت أيديهم شِرعة ومنهاجًا يسير عليه الصَّغير والكبير فبدّلوا وتبدَّلوا فالخد الأيمن لا يُدار حين يُصفع الأيسر بل يُقتل من صفعك ولو حتَّى بعد حين، فالرِّفق واللِّين والعدل لا يجوز في القوانين المتطرفة. والصعاليك منظومة عشوائية فرضها المجتمع الجاهلي لخروجهم عن القوانين العامَّة وأخلاقيات القبيلة فنُبذوا وأُهدرتْ دماؤهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة جزاءً وفاقًا ولقاتلهم الحمد والثناء والمكافأة المجزية أحيانًا فلم يعبأوا فسنّوا قوانينهم المتطرفة من نهب وقتل وإغارة وأحكام بعيدًا عن سنن القبيلة والمجتمع ككل فجاسوا خلال الدِّيار فلا سماء تظلهم ولا أرض تقلّهم ولا قبيلة تضمَّهم، فالولاء للمجموعة والإخلاص للصعلكة فقط وإن كان لبعضهم صفة وسجية عُرف بها ولم يتحلَّى بها حتَّى صعاليك اليوم وهي الكرم والعطاء، كعروة بن الورد العبسي الذي يُسمى بعروة الصعاليك فلم يكن يُغِير أو ينهب مالاً ليدخره لنفسه، بل كان يهبه للفقراء بعد أن ينتزعه من أغنيائهم كصدقةٍ عليهم ولا يترك شيئًا له حتَّى قال فيه عبدالملك بن مروان (ما تمنيتُ أن أحدًا من العرب ممَّن تمنيتُ أن يلدني إلا عروة بن الورد) فكانت هذه الصفة العربيَّة المتوارثة في جينات آبائهم علامة فارقة متلازمة بين صعاليك الأمس وصعاليك اليوم حتَّى على قوانينهم المتطرفة.
-
- الاحساء