Culture Magazine Thursday  06/06/2013 G Issue 409
فضاءات
الخميس 27 ,رجب 1434   العدد  409
 
شعراؤنا الذين ذهبوا إلى النّسيان!!
يوسف عبدالعزيز
-

 

ما الذي تفعله الأمّة العربية بشعرائها حين يرحلون! سؤال يدعو للألم، حين نتأمّل المسألة من وجهة نظر حضارية، ونجد أنّ هؤلاء الراحلين الذين هم من أهم شعراء العربية، قد رحلوا، ولكن إلى النّسيان. قبل سنوات فقدنا الشاعر الكبير نزار قباني، وهو الذي رقّص الأرض بقصائده العذبة السّاحرة، وتلا مدائحه على الجسد كما لم يفعل شاعر قبله منذ صريع الغواني عمر بن أبي ربيعة. تالياً فقدنا أحد أهمّ الذين أسّسوا الشعر العربي الحديث وهو الشاعر عبد الوهاب البياتي الذي ملأ الدنيا بأشعاره وأسفاره متنقّلاً ما بين بغداد والقاهرة وبيروت وموسكو ومدريد وعمّان ودمشق، ثمّ فوّاز عيد، فمحمد القيسي، فيوسف الصائغ، فعبد الله البردوني، فممدوح عدوان، فعلي الجندي ومحمد الثبيتي.

سادن هذه السلالة المباركة من الشعراء الراحلين كان الشاعر الكبير محمود درويش، وهو الذي يعتبر بجدارة متنبّي الأمّة العربية في العصر الحديث، وأحد القامات الرفيعة في الشعر على مستوى العالم.

لقد رحل هؤلاء الشعراء الكبار، ولكن دون أن يتذكّرهم أحد من أمّتهم، إلا بندوات وأنشطة ضئيلة لا تليق بقاماتهم. إنّها فضيحة عظيمة مدوّية، ما بعدها فضيحة، تنفجر على حين غِرّة، وتفتك بأرواحنا تماماً كما لو كانت قنبلة نووية! إنّ هذا التّجاهل، وهذا الصّمت المطبق إزاء هذه النخبة من الشعراء ليؤشّر بقوّة إلى عطب ما في شريان الأمّة! فبدلاً من أن تحتفي بهم أمّتهم، وتباهي بهم شعوب العالم باعتبارهم ثلّة من رموزها الحضارية المهمّة، نجد أنّها ترفع حولهم جداراً عظيماً من التّجاهل، وكأنّهم لا يمتّون إليها بصلة.

طبعاً لو أردنا أن ندرس هذه المعضلة، التي هي في واقع الأمر مصيبة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فإنّنا سنصطدم أوّل ما نصطدم بجهتين معروفتين، باعتبارهما مسؤولتين مسؤولية مباشرة عن هذه الحالة الشّاذة، وهما:

أوّلاً ـ الجهة الثقافية العربية الرسمية ممثّلَةً بوزارات الثقافة العربية.

ثانياً: الجهة الثقافية العربية الأهلية أو الشعبية التي تمثّلها اتّحادات وروابط الكتّاب العربية.

بالنسبة للجهة الأولى فهي في غالب الأحيان مشغولة بمشاريع بدائية، وهي تعمل على مستوى الزّقاق أو الحارة الثقافية، ولا تعمل على مستوى الفضاء الثقافي الواسع الذي تتلاطم فيه المعارف وتتلاقح فيه الحضارات، فواحد كنزار أو درويش يفيض عن أبنيتها الضئيلة. بالنسبة للجهة الثانية وهي الروابط والاتّحادات فهي مؤسّسات معزولة ومهمّشة ومحاربَة، وفوق ذلك تفتقد إلى رأس المال الذي يصنع الثقافة. وحين تعتزم إقامة حفل مكرّس لاستذكار أحد الشعراء الراحلين، فإنّ أقصى ما تقوم به في هذا المجال هو عمل ندوة عن الشاعر المعني لعدد من الدارسين لا تزيد مدّتها على ساعة من الزمن.

الشيء الآخر الذي لا بدّ من التّذكير به هو الحريّة القصوى التي يتمتّع بها الشعراء عادةً، والتي كانت بمثابة كتاب مقدّس لهؤلاء الراحلين على وجه الخصوص، فهم لم يكونوا أتباعاً لأحد، ولا جزءاً من حاشية صاحب جاه. لقد عاشوا الحياة من وجهة نظرهم كثوّار حقيقيين، وناطحوا برؤوسهم السحاب. ولذلك فهم لم يكونوا مرتبطين بأواصر الدّجل والمحاباة. لقد كانوا باستمرار خارج المؤسّسة، ولا تربطهم بها أيّ علاقات. على العكس من ذلك كانت علاقتهم بالمؤسسة قائمة على النفور والعداء. ألهذا استمرّت العداوة لهؤلاء الجميلين حتى بعد موتهم، ولشعرهم الهائج الجارح الذي يبشّر بالحرية والحب والجمال؟

على الرغم من هذه الذرائع التي نبحث عنها أو نختلقها في سبيل استكناه هذه العلاقة الملتَبسة بين الشاعر والمؤسسة فإنّها لا يمكن أن تكون كافية لتفسيركلّ هذا الجحود الذي تجابه الأمّة العربية به شعراءها الراحلين! إنّه شيء من الضّلال والعماء الشامل.

-

Yousef_7aifa@yahoo.com - فلسطين

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة