تطرقت الكاتبة والقاصة رباب النمر في مجموعتها القصصية الجديدة «هزيمة ألم» لأبعاد إنسانية كثيرة.. تسترعي من خلالها اهتمام القارئ وتستميله نحو بناء معادلة المتعة والفائدة، وذلك بأسلوب سردي شيق، يميل إلى الاقتضاب، وتصوير المشاهد بشكل مألوف، ووفق رؤية متأنية تستطرد فيها الكاتبة من اجل إيضاح الحقيقة، أو كشف ما هو غائب عن ذاكرة القارئ، بل وتحفيز ذائقته للتفاعل مع النص على أساس من التقاط الحقيقة والتفاعل معها.
في القصة الأولى «هزيمة ألم» التي حملت اسم المجموعة عمدت الكاتبة إلى مكاشف الإنسان في أدق تفاصيله، ولاسيما حينما يكون أمام المرض وسطوة الألم، حيث يستشعر القارئ أن «رباب حسين» وضعت شخوص القصة على المحك.. ذلك المتمثل في مناجزة الطفل لواقعه الأليم من خلال رسم مشاهد إنسانية في غاية التأثير.
فحينما تدور مفصلات السرد في هذه القصة على رحلة الألم في المشفى ومحاولات الطفل المريض إن يقاوم هذه الآلام، ليذهب إلى المدرسة رغم آلامه المبرحة، إلا أنه يكتشف مع الوقت أن المرض.. هذا المارد العملاق لا يمكن أن تقوى عليه مشاعر هذا الطفل الهادئ، لتترك الكاتبة باب السرد مواربا على احتمالات كثيرة في جوف هذا المشفى الذي يطبق على أسرار وأخبار طفل هده العناء.
جاءت القصة الثانية في المجموعة «الرمانة» متممة للمشهد الإنساني في القصة الأولى، إلا انه أكثر حميمية واقل ألما حينما قدمت الكاتبة صورة أسرية تنعكس على عالم العلاقة بين الكبار والصغار من خلال رحلة البيت وقاطنيه من اجل أن يوائموا بين ما هو ممكن ومستحيل، فيما تبقى صورة الطفل في النص ناصعة جميلة، سعت الكاتبة إلى رسم تفاصيلها بأسلوب شيق وبلغة متميزة تعكس حرصها على بناء نص متكامل العناصر.
تتوالى القصص في هذه المجموعة لِتكوِّن نسيجا عاما يؤكد رغبتها في بناء مفردة سردية تشخص حالة الفقد ومعاناة الناس، وتلتقط أدق التفاصيل الحياتية التي لا بد أن تكون ذات بعد مؤثر يخرجها من نمط الحكاية الدارجة أو المقولة المألوفة.
فقصة «انتظار» امتداد في مضمون بناء الفكرة الرئيسة للنصوص المتمثلة في التقاط المعاناة وتقديمها بأسلوب يمنح القارئ فرصة التأمل وتسجيل رؤية جمالية ما تحقق أهداف النص ومضامينه، إلا أن الكاتبة رباب عنيت في هذا النص في تكثيف دلالات الفقد وعناء القطيعة في أسرة لم تتماثل بعد من مرض الغياب والفقد.. فالطفل يعيد ترتيب ذاكرته وإن كان في الشعور الباطني للراوي حينما يستدرك على حياته بعض الفراغات الأليمة على نحو فقده لحنان الأبوة ودفء الأسرة الذي يشعر أنه عالم جميل لا يقدر بثمن.
عناصر السرد في القصص متوائمة وذات بعد استرجاعي لحالة الزمان حيث تكثف الكاتبة دلالات الزمان كهاجس مهم يعد سببا فنياً ما للحديث وشرح التفاصيل، أما حيز المكان فإنه في الغالب الأعم يأخذ شكل المسافة بين الشخوص دون الخوض في تفاصيل أخرى، حتى إن كل نص من هذه النصوص له عالمه الزماني الخاص جدا، بل وحيزه المكاني المغرق في خصوصيته.
فلا انفتاح في النصوص على العالم من حول الشخوص الذين اختارتهم لنا «رباب» بعناية، إنما هم مؤثرون في النص ومتقوقعون على حياتهم، وينهلون من معين حكايتهم البكر.. تلك المتمثلة في علاقة الأسرة بعضها ببعض، دون طرق لسبل أو فضاءات أخرى، لذلك جاءت النصوص محددة المعالم مقتضبة السرد، ومختصرة في مضامين حكاية الإنسان البسيط.. ذلك الذي قد لا تعنيه حالة من حوله من الناس.
بيئة النصوص في هذه المجموعة لا تبتعد عن حياة الناس البسطاء الذين يحملون هم يومهم، ومشكلات وقتهم.. فلا يعتنون إلا بذواتهم، فقد لا تعنيهم حالة الناس من حولهم إلا بما تتطلبه لقاءات المجتمع وتقاطعات المصالح ورؤى الحياة اليومية التي تكرر ذاتها دون يأس أو تعب.
الجميل في هذه المجموعة أن الفكرة في كل نص هي التي تحرك فعاليات السرد.. ليصبح الراوي مرتهناً بشكل واضح إلى الفكرة التي لا تقبل الإطالة، أو الإطناب، وهذا من متطلبات النص القصصي الحديث، لكيلا تطول تفاصيله، أو يخرج عن كونه نصا قصصيا قصيرا يعيد لهذا الفن روحه الرشيقة وومضاته الجميلة، وهذا ما دأبت عليه «رباب» في نصوصها في هذه المجموعة المتميزة.
إلا أنه يعاب على الناشر استغلاله لهذه النصوص الجديدة، ليستعرض منتجه التجاري والترويجي في الصفحات الأخيرة، وهذا معيب ولا يخدم رسالة المعرفة وتشجيع الأقلام الابداعية عبى العطاء . إلا أنه لا يقلل من قيمة إبداع المؤلفة و عطائها السردي الجميل
***
إشارة:
هزيمة ألم (نصوص سردية)
رباب حسين النمر
أدبي تبوك 1434هـ
تقع هذه المجموعة في نحو (78 صفحة) من القطع المتوسط
-