موجز للفصل الثاني من كتاب “ملك الجبل: طبيعة القيادة السياسية” - الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يكون عليه “الحاكم” هو أن يكون “امرأة”.
تقديم المترجم: هذا موجز للفصل الثاني الذي بعنوان “الزعامة عالم رجالي” من كتاب “ملك الجبل: طبيعة القيادة السياسية” للبروفيسور أرنولد إم. لودفيغ (Arnold M. Ludwig)، وهو مواطن أمريكي من مواليد 1933. عمل لمدة تسع سنوات أستاذاً ل”الطب النفسي والسلوك الإنساني” في “جامعة كنتاكي الأمريكية”، ويعمل حالياً بالتخصص نفسه في “جامعة براون” الأمريكية المرموقة التي تأسست عام 1746، وتحتل حالياً المرتبة ال15 في قائمة أفضل الجامعات الأمريكية، وتحتوي على نخبة النخبة من الطلاب والأساتذة، وبخاصة في البحث العلمي.
حصل لودفيغ على العديد من الجوائز الوطنية للتميز في البحث العلمي عن “إدمان المخدرات/ الكحول” ومرض “اضطراب الشخصية”، كما حصل على جائزة أفضل كتاب من جمعية الإدمان البريطانية. ألَّف عشرة كتب في تخصصه، أهمها “ثمن العظمة: كيف نعرف من نحن؟”، و”ملك الجبل: طبيعة القيادة السياسية” الذي درسه تقريباً معظم حكام العالم في القرن العشرين.
وهذه المادة تشكل الفصل الخامس عشر من كتابي المترجم الأخير: “ضد النساء: “نهاية الرجال” وقضايا جندرية أخرى”.
الزعامة عالم رجالي
أن تكون ذكياً وقادراً ومتعلماً ومتحكماً في عواطفك لا يمنعك كل ذلك من الحصول على وظيفة قيادية مهمة، ويمكن أن تكون حاكماً لدولة حتى ولو لم تقرأ في حياتك كتاباً واحداً، ولا تعرف كيف تعمل ميزانية، وما زلت تستعمل أصابعك في العد، وتشعر بسعادة في قتل وتعذيب الناس، وتصبح ثملاً بسبب الكحول أو المخدرات أثناء اجتماعات الحكومة، وتستمع إلى أصوات وهمية في رأسك أكثر من أصوات مستشاريك. في الواقع الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن تكون وأنت حاكم لدولة هو أن تكون “امرأة”. وبالطبع سيقوم العديد من الناس بالرد على هذه العبارة بقائمة جاهزة لنساء مشهورات حكمن مثل: أنديرا غاندي ومارغريت ثاتشر وبيناظير بوتو أو غولدا مائير، اللاتي تعتبرن ملهمات للعديد من الطالبات في المدارس بأنهن مثل زملائهن الأولاد قد يستطعن يوماً ما حُكْم بلادهن. ولكن لاحظوا الحقيقة الآتية: خلال القرن العشرين بأكمله هناك فقط 27 حاكمة من مجموع 1941 شخصاً حكموا العالم، أي ما يشكل 1.4 في المئة من مجموع الحكام فحسب! أيضاً يجب عليك أن تعدل هذه الإحصائية مع الأخذ في الاعتبار الحقيقة الآتية: تقريباً نصف هؤلاء النساء وصلن إلى السلطة بسبب انتقال الكاريزما إليهن من رجل فحسب، كأن نقول “أرملة فلان” أو “ابنة فلان”، ويقصد بفلان الزوج أو الأب الذي استُشهد، وبسبب شهرته انتقلت السلطة إليها. وعندما نطرح الرقم الذي يمثل “أرملة فلان” و”ابنة فلان” من القائمة الكاملة للحاكمات؛ (لأن مؤهلاتهن للحكم كانت لإعجاب الناس بالزوج أو الأب الميت أكثر من هؤلاء النسوة)، عندها ستكون نسبة الحاكمات تقريباً ثلاثة أرباع الواحد في المائة، أي تحديداً 0.78 في المئة بالضبط من اللاتي أصبحن حاكمات ليس بسبب شخصياتهن بل بسبب قريبهن فلان المتوفَّى. وبعبارة أخرى، فإن احتمال “عدم” وصول امرأة إلى السلطة المطلقة بسبب قدراتها الشخصية يمثل نسبة أكثر من 100 إلى واحد لمجمل عدد الحكام (لاحظ: “عدم” وصول). ومن ضمن الحاكمات النساء المستقلات الباقيات اللاتي نجحن بجهدهن الشخصي، هناك ليديا غولير من بوليفيا، وإيرثا باسكال تروويوت من هايتي، وماريا دو لورديس بنتاسيلغو من البرتغال، ورنيتا اندزوفا من بلغاريا، وكيم كامبل من كندا. وهن جميعاً تولين الحكم بصورة مؤقتة قصيرة، وبعضهن قضين أقل من سنة واحدة في الرئاسة، وإحداهن حتى أقل من أسبوع. وهذا وقت لا يكاد يكفيهن لتجديد ديكور مكاتبهن قبل أن تختفين من الساحة وتدخلن مرحلة النسيان السياسي. ولذلك فإن الحاكمات الوحيدات اللاتي يعتد بهن بالفعل هن: غولدا مائير من إسرائيل (التي اشتُهرت بأنها قاسية وصلبة مثل المسمار)، ومارغريت ثاتشر في بريطانيا (الملقبة بالمرأة الحديدية)، وتانسو تشيلر (المعروفة بالابتسامة الحديدية ذاتها، التي صُوِّرت في الكاريكاتير بأنها ماهرة مثل بروتوس في الطعن من الخلف)، وماري يوجينا تشالز من الدومينيك (المعروفة بامرأة الكاريبي الحديدية)، وغرو هارلم برونتلاند من النرويج (وهي طبيبة سابقة ذات عقل حاد مثل سكين التشريح)، وجيني شيبلي من نيوزيلاندا (التي يصفها خصومها بالبلدوزر المعطر)، والإمبراطورة تسي شي من الصين (المعروفة بالإرادة الحديدة ذاتها وهي جارية سابقة حصلت على السلطة المطلقة في الصين لسنوات عديدة في البداية بوصفها وصية على ابن أخيها الوديع).
ولكن عندما تأخذ في الحسبان تلك الأوصاف العنيفة أحياناً لهؤلاء النسوة مثل: “حديدي” و”بلدوزر” و”مسمار” و”تنين”، التي تعني لخصومهن الذكور أنهن تستطعن سحق الخصيان، أو بحسب أنصارهن أنهن ربما بالفعل تملكن خصياناً مثل الرجال، فهذا في الواقع أفضل مديح يمكن أن تعطيه لامرأة، وكذلك كون الإمبراطورة الصينية تسي شي كانت تلقَّب بالمرأة “التنين”؛ لأنها كانت مخادعة وشريرة مثل الرجال، وقيل إنه كان لديها ذيل يتدلى أيضاً. وهكذا لا يبقى منهن أي واحدة لتحصل على مصادقة معتبرة على كون أنوثتها كانت سمة حاسمة لتصبح حاكمة. للأسف، نظراً إلى قلة عدد النساء الحاكمات ضمن كل واحدة من هذه المجموعات الثلاث، أي: (1) المستقلات، (2) أرملة فلان، و(3) ابنة فلان، فإن المقارنات الإحصائية بين هذه المجموعات الثلاث ليست ممكنة. ولكن بالرغم من ذلك، يمكننا عمل بعض الملاحظات والانطباعات العامة عنهن.
وعند مقارنة الحياة والسمات الشخصية والإنجازات لهذه الأنواع الثلاثة من النساء الزعيمات ستجد صعوبة في العثور على فروقات واضحة بين اثنتين من هذه المجموعات - أي النساء “المستقلات” وهن اللاتي وصلن إلى السلطة عن طريق جدارتهن وذكائهن، و”بنات فلان” أي عن طريق آبائهن الحكام الميتين أو المقتولين - ولن تجد فروقاً يعتد بها بين هاتين المجموعتين من النساء وزملائهن الذكور الديمقراطيين باستثناء كون المرأة غالباً أكثر تعليماً وكفاءة للمنصب، وهذان أمران متوقعان حتى يمكن لهن أن يترشحن من حزب سياسي أو يتحصلن على أصوات ناخبين يدلون بأصواتهم. ومن ضمن هؤلاء النساء “المستقلات” اللاتي وصلن إلى السلطة بسبب سماتهن وكفاءتهن الشخصية هناك: الإسرائيلية غولدا مائير، والتركية تانسو تشيلر، والنرويجية غرو هارلم برونتلاند، والنيوزيلاندية جيني شيبلي، وجميعهن كن ديناميكيات ومتحدثات قديرات. وهناك أيضاً البريطانية مارغريت ثاتشر، التي بالرغم من نزقها وقسوتها وسخريتها اللاذعة، إلا أنها كانت ناجحة جداً في المناظرات البرلمانية. وباستثناء وايزيرو زوديتو (1916-1928) ابنة الملك مينيلك الثاني التي اختيرت لتصبح إمبراطورة لإثيوبيا، لكنها سمحت لابن عمها هيلا سيلاسي أن يصبح وصياً ويحكم بدلاً منها؛ لأنه لم يكن مقبولاً في بلدها أن تحكم امرأة لوحدها، فإن “بنات فلان” كن فعالات بالمثل، بي نظير بوتو من باكستان وشاندريكا كوماراتونجا من سريلانكا وحسنية واجد، كن جميعاً يخطبن بطريقة مذهلة. وربما كانت أنديرا غاندي من الهند أكثرهن كاريزمية، وحصلت على منزلة عالمية مهمة.
معظم هؤلاء النساء “المستقلات” و”بنات فلان” كن بمثل تصميم وقوة وجسارة وبراعة وشجاعة أي زميل ذكر لهن في الدول الحاكمة الأخرى. وعلى الرغم من أن أياً منهن لم تحارب في معركة أو تكسب ميدالية شجاعة، كما فعل العديد من القادة الذكور، فإن معظمهن كن مستعدات للتضحية بحريتهن الشخصية من أجل معتقداتهن السياسية الشخصية؛ ففي عام 1945 بدأت غولدا مائير إضراباً عن الطعام لمدة 5 أيام لإجبار البريطانيين على السماح ليهود محتجزين في سفينة راسية على شواطئ فلسطين بالهجرة ودخول فلسطين. كما أن أنديرا غاندي سجنت عام 1942 من قِبل البريطانيين لمدة 9 أشهر بسبب نشاطاتها السياسية، وكذلك لم تهتز غاندي أو تهرب بسبب محاولات اغتيال فاشلة عدة بعدما أصبحت حاكمة. وبيناظير بوتو خاطرت بحياتها عندما تحدّت الجنرال ضياء الحق الذي أعدم والدها، وقضت 5 سنوات في السجن أو الإقامة الجبرية بسبب نشاطاتها السياسية. وحسنية واجدة ابنة مجيب الرحمن أصبحت رئيسة لوزراء لبنغلادش بعد أن هزمت خالدة ضياء زوجة الحاكم السابق ضياء الرحمن الذي قُتل لاحقاً، وقبل صعودها إلى السلطة اعتُقلت هي وبعض أفراد عائلتها لفترة وجيزة سنة 1971، بعد مشاركتهم في انتفاضة خلال حرب الاستقلال، ثم في عام 1975، وبعد اغتيال والديها و3 أشقاء لها من قِبل ضباط الجيش، قضت 6 سنوات في المنفى قبل أن تعود إلى الوطن لتعارض الحكم العسكري، وتعمل على تعزيز قضية حقوق الإنسان. وبسبب نشاطاتها السياسية وُضعت مراراً تحت الإقامة الجبرية. ومقارنة مع فئتي الحاكمات “المستقلات”، اللاتي وصلن للسلطة بجهدهن الشخصي، ومعهن فئة “بنات فلان”، فإن فئة “أرملة فلان” تبدو صنفاً مختلفاً تماماً من الحكام على المشهد السياسي؛ غالباً لأنهن لم تملكن خبرات إدارية ولا حتى أبسط معرفة عن كيفية إدارة الحكومة؛ في الغالب، هؤلاء النسوة كن أقل تعليماً من أزواجهن باستثناء جانيت جاغان من غيانا، التي عملت بجانب زوجها أثناء صعوده للسلطة، وكذلك إيزابيلا مارتينيز دي بيرون من الأرجنتين، التي كانت نائبة رئيس تحت سلطة زوجها، وكن لا تملكن سوى معرفة شخصية بسيطة في السياسة قبل وصولهن إلى الحكم. وبدلاً من ذلك، كن يقدمن أنفسهن بوصفهن زوجات وأمهات مخلصات ومضحيات من اللاتي أشبعن رغبتهن في السلطة والشهرة بواسطة أزواجهن؛ وهكذا بدين قانعات بصورة معقولة بأدوارهن داخل بيوتهن.
ميرييا موسكوسو على سبيل المثال كانت سكرتيرة سابقة وربة بيت، وسيريمافو باندرايكا من سريلانكا درست الاقتصاد المنزلي في الكلية؛ حتى تستطيع القيام بوظيفتها زوجة وأُمًّا.
ومع أمزجتهن المشرقة ومظهرهن الهادئ وتصرفاتهن المستقيمة وعدم غرورهن قامت “أرامل فلان” بإعطاء انطباع عن كونهن طيبات، وهذه السمة - إن صحت - كان يجب أن تجعلهن غير لائقات لدخول السياسة مع كل مناوراتها وقذارتها ومؤامراتها وخطورتها. وبكل تأكيد فإن ماكيافيللي لم يكن سيوافق على وصولهن للسلطة، ومن المحتمل أن القلة القليلة فقط من رؤساء الدول الذين عاصروهن كانوا سينظرون إليهن كزعيمات متكافئات لهم. إذا كانت هؤلاء النسوة يردن كسب احترام خصومهن من قادة الدول المتغطرسين والديكتاتوريين فربما كان من المستحسن لهن إظهار شيء من الثقة والجرأة التي مارستها مارغريت ثاتشر عندما قال لها تيتو رئيس يوغوسلافيا “إن السياسة ينبغي أن تُترك للرجال، وإن مكان المرأة في المنزل”، فأجابته ثاتشر بغضب: “أنا السياسة!”؛ ما جعل تيتو يهز رأسه بإعجاب.
Hamad.aleisa@gmail.com
المغرب