وأخيرا يرحل زكي الجابر (1931-2012) في مغتربه الأمريكي بعيدا عن وطنه كعلم آخر من أعلام شعراء العراق الذين حملوا معهم العراق أينما ارتحلوا وحيثما حلوا مصابين بداء عضال: داء الحنين إلى العراق ومعاناة هموم العراق والحزن على ما تعرض ولا يزال يتعرض له العراق من محن وانتكاسات دون أن يكون بمقدورهم الإسهام الفاعل في خدمته سوى ما تجود به قرائحهم من نفثات صادقة.
أقول ذلك شهادة شخصية عما لمسته من معاناة الصديق الراحل في مرحلة اغترابه الأمريكي بصفة خاصة إذ كان خلالها يواصل موافاتي بما يخص الداء المذكور من نفثاته ورسائله والسر في ذلك ما بيننا من روابط تعود جذورها إلى أيامنا "السعيدة" في دار المعلمين العالية في أواسط القرن الماضي وقد ازدات قوة منذ أيام دراسته ودراسة زوجته الدكتورة حياة جاسم محمد في جامعة انديانا في أواخر السبعينيات من القرن الما ضي. وقد رأيت تكريما لذكراه وإشادة بدوره المتعدد الجوانب أن أشير إلى بعض مقطوعاته القصيرة "عراقيات" التي كان يرسلها إلي لما فيها من دلالة واضحة على ما كان يعانيه في مغتربه دع عنك ما تتسم به من تلميحات مكثفة إلى مأساة العراق.
إن ما يضاعف إحساسي بالألم لفقد شاعرنا الكبير منسيا في مغتربه أن أعماله الشعرية وغير الشعرية لم تلق ما تستحق من الاهتمام والدرس والنشر وإن آخر ما نشر له من أعماله الشعرية يرجع إلى عام 1987 حين صدر له: أعرف البصرة في ثوب المطر أي أنه لم يتح لنتاجه الشعري منذ ذلك التاريخ أن ينشر في ديوان أو أكثر مما يدعو إلى الأسى أولا لأسباب مختلفة كما يدعو المعنيين في وطنه وأخص بالذكر اتحاد الأدباء العراقيين إلى العمل الجاد على جمع نتاجه ونشره تكريما لما أداه شاعرنا من دور وخدمة لقراء الشعر العربي المعاصر ودارسيه.