منظمة طلابية يديرها طلاب أمريكيون دفعهم الاهتمام بموضوع المظلمة الفلسطينية والإجرام الإسرائيلي إلى تأسيسها باسم (طلاب من أجل العدالة في فلسطين: Students for Justice in Palestine) فأول ما عرفتها منذ سنة ونصف اشتركت معها واكتشفت أن لها فروعاً في سائر جامعات أمريكا مهتمة بتسليط الضوء على القضية الفلسطينية وتوعية الناس والشعب الأمريكي حول الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه وقضايا الاستيطان وتوسيع رقعته، ثم بعد هذا قادت هذه القيم التوعوية كثيراً من المشتركين في هذه النشاطات إلى استضافة العديد من الناشطين والمتحدثين والمفكرين حول موضوع فلسطين، وقد عقدت هذه المنظمة عدة أيام منتظمة لعرض أفلام وثائقية ودرامية توضح الموضوع الفلسطيني ومشاكل الاحتلال.
وقبل عدة أشهر استضافت المنظمة عدة شعراء فلسطينيين يتحدثون باللغة الإنجليزية مثل ريماي كنازي لعقد تجمعات فنية وأدبية حول مظالم الاحتلال، إضافة لعدة دروس ومحاضرات وندوات مختلفة تقدم دراسات تاريخية حول تاريخ فلسطين وطريقة الاحتلال الإسرائيلي والدمار المدني والعسكري للفلسطينيين من خلال كل الطرق المتاحة..
وقبل عدة أشهر حضر أعضاء من المنظمة مؤتمراً عاماً اجتمعت فيه عدة منظمات وشخصيات لدعوة عامة في أمريكا لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أمريكا مع قائمة وزعت على الحضور بكل المنتجات الإسرائيلية التي تباع في أنحاء أمريكا لأجل هذه المقاطعة الشاملة.. وهذه المقاطعة جزء من العمل الإنساني الشريف الذي تقوم به مثل هذه المنظمات التي ترى في إسرائيل وسياستها حالياً شبهاً بنظام جنوب أفريقيا أيام سيطرة البيض الذي يستولون على السلطة والقرار ويسحقون السكان الأصليين ويقومون بفرز عنصري وتطهير عرقي ودينيي لكل «الآخرين»، وهذه هي سياسية الأبارتايد (Apartheid) أو العزل العنصري الذي مارسته سياسية جنوب أفريقيا قبل وجود الديمقراطية الحالية، وكان جزءاً من العمل الذي ساعد نضال السكان الأفارقة الأصليين في ذاك الوقت رغم كفاحهم الطويل هو تعاطف الشعوب الأخرى إنسانياً معهم ومقاطعتهم لكل منتج أو سياسة تمت لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية في ذلك الوقت والتي قامت على نظام «الأبارتايد» أو الفصل/العزل العنصري.. لذلك فهذه المنظمة (طلاب لأجل العدالة في فلسطين) ومنظمات أخرى متعاطفة مع القضية الفلسطينية تقوم على ممارسة هذه المقاطعة كجزء من الضغط الشعبي الإنساني العام، وتدعو كل الشركات الليبرالية في أمريكا وكل الهيئات الإنسانية لاعتماد سياسة المقاطعة هذه التي تقوم بها عدة منظمات أخرى في أنحاء العالم من أوروبا وأمريكا وغيرها.. وتعتبر أن نظام إسرائيل العنصري شبيه بنظام جنوب أفريقيا العنصري قبل تحرير جنوب أفريقيا من هذا النظام الذي كان من أشهر من كافحه المناضل نيلسون مانديلا.
وكان من جملة تلك النشاطات التي تقدمها منظمة «طلاب لأجل العدالة في فلسطين/SJP» محاضرة لناشط يهودي اسمه «ماكس بلومنثال» عن «الليبراليين الصهاينة» وتحدث عمن يسمون ب»الليبراليين» داخل التيار الصهيوني، ووضح أنه حتى من يسمون بالليبراليين منهم هم في النهاية لا يقلون صهيونية ولا دعماً للاحتلال والجيش الإسرائيلي في عدوانه عن غيرهم، وقدم مسحاً تاريخياً لأغلب تيارات هذا الجناح وأسمائه داخل إسرائيل وخارجها، موضحاً علاقاتهم بالجيش الإسرائيلي والروابط التي تجمعهم.. وختم بسحق عدة أساطير شائعة فيما يسمى الجناح الليبرالي داخل الفكر الصهيوني.. وكانت هذه المحاضرة هي فصل من كتاب يعده بالإنجليزية بعنوان «Goliath» أو ما يمكن ترجمته بالعربي ل»جالوت»، مشيراً إلى اسم جالوت في الروايات الدينية اليهودية (التي أشار إليها الإسلام أيضاً) في عداء جالوت للأمة الإسرائيلية وتمكنها أخيراً من مواجهته وقتله.
انتهى السيد بلومنثال إلى أن المقاومة هي الحل، وإن كان تحفظ على تجربة المقاومة العسكرية الحالية إلا أنه دعا لمشاركة العالم كله في الضغط على سياسية الدولة العنصرية ومشاركة شعوب العالم كله في حمل القضية الفلسطينية.. وفي ذات الوقت شكك بمصداقية أكثر الدول العربية تجاه حل المشكلة الفلسطينية ورأى أن الربيع العربي خطوة تجاه وضع القضية بيد الشعوب ومشاركتها في الضغط لإقامة الحق الفلسطيني ومكافحة الدولة العنصرية.
هذه المنظمة (طلاب لأجل العدالة في فلسطين) أسسها طلاب أمريكيون وأداروها وأرادوا لأنفسهم أن يكونوا جزءاً من تشكيل الرأي العام الأمريكي الذي بدأت قناعاته التقليدية تجاه ما يسمى بالصراع العربي/الإسرائيلي يهتز.. فلربما تكون هذه المنظمة وأمثالها عوناً في المدى البعيد على تغيير سياسات الدول الكبرى وعلى المساعدة على الضغط وطريقة لدفع الظلم والبخس والحرمان والمسغبة التي طالت الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه ولا تزال بكافة مسائله وقضاياه من الاحتلال والاستيطان إلى حق العودة واللاجئين وقضايا المخيمات وغيرها.
وبعد كل هذا.. فكل يوم أخطو فيه تجاه هذه المنظمة أحس بحرج الضمير.. وأقرر أن أستمع أكثر مما أقول وأن أتعلم أكثر مما أشارك.. فالقضية في أيدي مثل هؤلاء أقرب لقانون العدالة والإنسانية من أن تكون في أيدي بعض العرب والمسلمين الذين قادهم الضمير المحطم المهزوم إلى جناح التبرير والتسويغ للظلم والتبعية والاستبداد والاحتلال.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
abdalodah@gmail.com
أمريكا