من منا لم يسمع برائد النهضة الإيطالية ليوناردو دافنشي ومن منا لم يرى لوحته القابعة في متحف اللوفر في باريس (موناليزا) حتى لو من خلف شاشة جهازه، وحتى وإن كان فيلسوفًا في رسمه وإبداعه إلا أنه لقي اهتمامًا رائعًا من مجتمعه فتغنى برسمه وإبداعه الموسوعيين وألهب مشاعر شعراء لمدحه وأصبح مخزونا ثقافيا تتصارع فيه الدول في إبراز رساميها ومبدعيها بفخر، حتى أصبحوا مطمعًا لكل ذي موهبة أن يعيش وسط مجتمع يهيم بفكر راق وعقل واعٍ لتقبل هذه المواهب المبدعة.
يقول شاعر النهضة براتشيزي في لوحة (جنيفرا) العائدة إلى الرسام ليوناردو:
(فلتذرف جنيفرا الدموع وأنت راحل
وترجو النجوم أن تعاكسك الرياح
والعواصف الكبيرة أن تؤخرك
وتمنعك عن السفر)
لست هنا لكي أقيم شعر براتشيزي من ناحية بلاغية أو صورية ولا أن أنقد لوحة جنيفرا التي يكسوها ملامح الكآبة والحزن العميقين ولكن استشهدت بها لأوضح أمرين:
أولا: البعد الإنساني والحس الراقي والجميل في فترة النهضة الأوروبية ومدى حبهم واهتمامهم لمبدعين ومثقفين وموهوبين في مجتمعهم.
ثانيا :تداول هذه المواهب وأخباراها وإبداعاتها إلى وقتنا الحاضر والإصرار على تصدرها المحافل الدولية.
والأهم من ذلك هل لو كان ليوناردوا سعوديا هل سيحظى بما حضي به وهو في مجتمعه الراقي؟ وهل سيذيع صيته كما ذاع صيته وأصبح أستاذا للنهضة الإيطالية؟ وهذا مادعاني لأن يتصدر مقالي هذا العنوان.
أنا أعتقد بأننا نختزن في مجتمعنا كنوزاً من المواهب ولم نسعَ ولو للحظة بأن نجعلها ترى النور إيمانا منا بأن هذا قد يعيدنا إلى العيب والخطأ وتارة يكون تفكيرنا أنه لا يهم وجود هذه المواهب فالأهم مال يجري باليد ومن ثم أستطيع أن أمتلك مواهب الأوروبيين، فأنا أجزم أن هناك من يقول لماذا أقوم برعاية رسامين وشعراء وموهوبين وأنا أستطيع الحصول على لوحات ليوناردو وبيكاسو وفيرمير وغيرهم بمالي وأكون قد حصلت على شيء مميز ليس له وجود لدى الغير.
أليس من الأجدر أن نحيي مواهبنا فلدينا بيكاسو ولدينا ليوناردو ولدينا المتنبي والفرزدق ولدينا زويل ولدينا نيوتن ولدينا انيشتاين ولكن ليس لدينا ثقافة الإبداع وليس لدينا حس الاكتشاف وليس لدينا روعة النهوض بحضارة وثقافة توازي مثيلاتها في دول القارة العجوز أو أبناء العم سام.
أحزن على مانمر به من وهن ثقافي يعيد لنا كرة الحضارات القديمة المندثرة ونقوم بأنفسنا بصياغة فكر متلبس بكثير من الأتربة التي نسكب على هذه الأتربة الماء لتتصلب بدلا من أن ننفض الغبار عن عقولنا.
لقد أوردت كثيرا مقالات عده تتحدث عن عقولنا وعنونت أحدها بعبارة (انفضوا غبار الجهل) وهاأنا أرددها وأقولها بصياغة أخرى كفاكم رقصا على الماضي وكفاكم تأليبا لقضايا تؤخرنا أكثر مما تنهض بنا ولنستعد بأن نكون نحن وليس بأن نكون كنا.
@btihani
جدة