- 1 -
الحداثة بوصفها حركة شعرية بادئ الأمر واستحالتها بعد ذلك إلى حركة تتجاوز الشعر تشمل حقولاً متعددة (الأدب عامة - الفنون - الدين - السياسة - الفلسفة.. إلخ) شغلت - ولا تزال تشغل - مكانة مركزية في كتابات الأدباء والمفكرين العرب على اختلاف مذاهبهم منذ انطلاقها في أواسط القرن الماضي أو فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن الممكن القول بأن الاهتمام المتواصل بها مسؤول عما لا يمكن حصره من الكتب والمقالات، ويكفي أن نشير إلى أن ما ظهر عنها من الكتب العربية وحدها يزيد تقريباً على ألف كتاب منذ 1978 كما يُفهم من إحصائية القاعدة المكتبية المعروفة بـ»WorldCat»، إضافة إلى ما يتعذر إحصاؤه من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وغيرها من أوعية النشر.
ولهذا ليس من الغريب أن تحفل المدونة العربية بآلاف الإشارات إلى «الحداثة» (وفيها ما لا يقل عن 15000 إشارة إلى كلمة الحداثة وصيغها المختلفة)، وأن تعكس المواقف المتضاربة إزاءها في مختلف الأوعية (الصحف - المجلات - الكتب- الإنترنت) مؤدية بذلك دوراً مهماً كسجل أو (كشّاف) يعين القارئ على تتبُّع كثير مما نُشر حول الحداثة في معظم الأقطار العربية منذ تسعينيات القرن الماضي، وملاحظة تغير المواقف وحدة الحملات أو تطرفها من حقبة زمنية إلى أخرى. ولكن لا بد من التنويه بأن البحث فيها ليس يسيراً بل يتطلب مراعاة بضعة أمور.
أولها: استخدام صور أو صيغ متعددة تخص مصطلح الحداثة، وأقصد بذلك كما قلت في ملاحظاتي التمهيدية: الحداثة وحداثة (بنقطتين وبدونهما) و(حداثه) يتبعها ضمير (حداثته - حداثتنا.. إلخ) حداثي - حداثيون - حداثيين - حداثية - حداثوية - حداثوي إلخ.. مما يستغرق زمناً غير قصير.
ثانياً: أن يؤخذ بنظر الاعتبار التفاوت الجغرافي أو الإقليمي في تغطية المدونة للحداثة، وأقصد بذلك اختلاف أوعية النشر من قطر إلى آخر في أسلوب التعامل مع الحداثة أو مع أنصارها وخصومها.
ويتطلب البحث كذلك التمييز بين الحداثة بمعناها الأصلي الشائع (صغر السن - حداثة الشيء - حداثة الأمور أولها، ابتداؤها، الجدّة) ومعناها الاصطلاحي الحديث. ومن الواضح أن الحداثة بمعناها الأول ترد كثيراً في المدونة كما استعملت منذ أقدم عصور العربية حتى اليوم، ومن أمثلتها الواردة في المدونة ما يأتي:
... قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم...».
ليس الحداثة من حلم بمانعة
قد يوجد الحلم في الشبان والشيب [المتنبي].
ذلك الرجل الذي خدم لغة القرآن منذ حداثة سنه حتى كسته الأعوام إكليلاً من أكاليل الوقار. عن الأب انستاس ماري الكرملي.
... وأدى فريقنا مباراة جديدة بالقياس إلى حداثته وإلى إمكانيات الفريق الخصم.
... حداثة التجربة الديمقراطية وافتقارها للمؤسسات الراسخة.
- 2 -
إن ما يلفت النظر أولاً عند مطالعة المدونة أن تغطيتها للفترة الزمنية الممتدة بين 1900 و1990 تقتصر على معناها الأصلي غير الاصطلاحي باستثناء ثلاث إشارات إلى كلمتي (الحداثة) و(حداثي)، وردت في بعض أوعية النشر في السعودية والكويت تحت العناوين الآتية:
لقاء الباب المفتوح
الكتب، الفقه الإسلامي، الحنابلة، المملكة العربية السعودية 1900 - 1980م.
محمد بن صالح العثيمين
يجب أن نتورع عن وصف الإنسان بالكفر والفسق أو بـ العلمانية أو الحداثة أو غير ذلك من ألقاب السوء، حتى نتبين ثم نحكم عليه بما يستحق، والعلمانية والحداثة إذا كانت كفراً فلا فرق بين أن نرميه بأنه علماني حداثي أو....
إذا قلت علماني أو حداثي ربما يفهم أن فيه شيئاً من العلمانية أو الحداثة الذي لا يوصل إلى الكفر.
> الكتب، العلوم الاجتماعية، علم الاجتماع الكويت 1980 - 1990م.
إسماعيل راجي الفاروقي.
توافرت تلك الاعتمادات فإن متطلبات (العلمنة) كانت تفرض نفسها باسم الحداثة والتقدم...
أسلمة المعرفة
الكتب، العلوم الاجتماعية، علم الاجتماع، الكويت، 1980 - 1990م.
إسماعيل راجي الفاروقي
ثبت أمام انقضاض الحقائق التي تلبس ثوب (العلمية) و(الموضوعية) و(الحداثة). ولهذا السبب فإن طالب الجامعة المسلم لا يلبث أن يستسلم مدعوماً بنفس القوة من (الموضوعية) و(العلمية) وبنفس المستوى ممن (الحداثة). وعلى هذا النحو تبدأ عملية سلخ طلاب الجامعات المسلمين عن...
أي أن المدونة لا تعكس استخدام الحداثة بوصفها مصطلحاً للحركة الشعرية منذ بدايتها بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1990، وهي فترة تأسيسية مهمة في تاريخ الأدب العربي المعاصر، كما أنها لا تشير إلى رواد الحداثة أمثال نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وأدونيس (علي أحمد سعيد) ويوسف الخال إلا في الفترات الأخيرة بعد 1990 باستثناء إشارة واحدة إلى السياب وردت منسوبة إلى كتاب الإعلام لخير الدين الزركلي. ومن المعلوم أن استخدام الحداثة بوصفها مصطلحاً عربياً لنظيره الغربي modernism modernism ينسب عادة إلى حركة شعر أو يوسف الخال ابتداءً من الخمسينيات، وكان من المفيد أن نجد أكثر من الإشارات الثلاث المذكورة لتوضيح مسار المصطلح وكيفية استخدامه أو جغرافيته خلال أربعين عاماً تقريباً أو قبل الخمسينيات، ولاسيما وقد أشار يوسف الخال إلى أن «الحداثة في الشعر العربي ظهرت تباشيرها منذ مطلع هذا القرن...» (الحداثة في الشعر 1978ص ص14-15).
- 3 -
إن غيبة الإشارات إلى مصطلح الحداثة في هذه الحقبة التاريخية تعني أنها لا تتناول ما لقيته الحداثة الشعرية ذاتها من حملات مضادة في مرحلتها التأسيسية، وقد خلّفت تراثاً نقدياً واسعاً جديراً بأن يدرس دراسة موضوعية - كما قلت - قبل ثلاثين عاماً تقريباً (راجع «الشاعر العربي المعاصر ومفهومه النظري للحداثة» - فصول 1984. علماً بأن تلك الحملات أخفقت إخفاقاً واضحاً في الحيلولة دون انتصار الحداثة وانتشارها في مجال الشعر وبقية الأنواع الأدبية.
وهناك أمر مهم آخر في السياق السعودي، ألا وهو بسبب غيبة الإشارات لا يرد أي ذكر للحملات المضادة التي مسّت الحداثة وأنصارها في المملكة العربية السعودية، ولاسيما في الثمانينيات من القرن الماضي 1980 - 1990، غير أن في المدونة تلميحات إلى هذه الحقبة في بعض الإشارات المنشورة عام 2011، أي بعد عشرين عاماً، كما يفهم من الأمثلة الآتية:
الخضري: حملة ضد الحداثيين منعت هذه الكلمة.
الصحف، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011 - 2011م.
الوطن أون لاين.
...وقال (امتد هذا التأثير إلى المساجد والجامعات إلى حد أن وزارة الإعلام السعودية أصدرت في عام 1988م أمراً تمنع فيه تداول كلمة حداثة في وسائل الإعلام السعودية كافة على خلفية اشتداد الحملة ضد الحداثيين...).
...
السعودية: تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية.
المجلات، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011 - 2011م.
مجلة الجندي المسلم.
.. وستفرز هذه اللحظة نمطاً جديداً من الإعلام، يتبلور مع كابوس الحداثة، بدءاً من عام 1980 حتى حرب الكويت عام 1990، وفيها بلغ التش...
فوزية أبو خالد: فصل في هجاء الألم
الصحف، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011 - 2011م.
الوطن أون لاين
... واجهت عنف المؤسسة الجامعية بشجاعة حين كانت التقارير الفاسدة تقضي بإحالتها من المنصة الأكاديمية إلى خزائن الأرشيف السفلية في جامعة مرموقة، وصمدت أيضاً أمام الأصابع التي قرّعت الحداثة، ونالت منها في التسعينيات، دون أن تكل عزيمتها أو يخالطها القلق.
خميسية حزينة على شرف الثبيتي
الصحف، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
الوطن أون لاين
... واستشهد بواقعة تعرض لها الشاعر في اليوم الذي كانوا يحتفون به عام 1989، حيث أعلن نادي جدة الأدبي الثقافي فوز ديوان التضاريس بجائزة النادي للإبداع، فقامت القيامة حينها، والتهبت خطب الجمعة السابقة على يوم الاحتفاء، وكأنما أصبح دمه قرباناً يتقربون به إلى الله، واكتظ النادي ليلة التكريم بوجوه غريبة وتحركات مريبة، اضطرّ معها النادي إلى إلغاء التكريم والاحتفاء، وتم تهريب الثبيتي من بوابة خلفية، وحجبت الجائزة، ولم تمنح للثبيتي. وأضاف الصيخان: حال حبُّ السلامة دون توزيع الديوان فحجب كذلك، وسجَّل النادي في تاريخه وصمة سوداء لا يغفرها له على ما قدمه لتجربة الحداثة من اهتمام.
-4-
ويبدو أن إغفال ذكر أمثلة تمسّ الحداثة في سياقها السعودي يمتد حتى بدء القرن الحادي والعشرين؛ إذ إن إشارات المدونة في الفترة الزمنية 1990 - 2000 ـ وعددها يتجاوز 130 إشارة ـ تقتصر لسبب غير واضح على ما ورد في (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية) للدكتور عبد الوهاب المسيري، وقد أدرجت الإشارات إلى الحداثة بمختلف صيغها (الحداثة - حداثة - حداثي - حداثية) تحت العنوان المذكور كما يلاحظ من الأمثلة الآتية:
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية
الكتب، العلوم الاجتماعية، التاريخ، المملكة العربية السعودية. 1990 - 2000م.
عبد الوهاب المسيري
كما يُلاحَظ ظهور فكر لا يقبل الحداثة الغربية، ويحاول أن يؤسس حداثة جديدة تنطلق من نقد أساسي لفكر الحداثة الغربي...
[... الخطاب الإسلامي طرح نقد شامل للحداثة الغربية، ويبدأ البحث عن حداثة جديدة لا تودي بالإنسان. أما في إسرائيل فتتراجع الأيديولوجية].
ونحن نرى أن هذه العناصر جعلت المثقفين اليهود أكثر حداثة وأكثر امتلاكاً لناصية الخطاب الحضاري الغربي الحديث.
إن اختيار الموسوعة المذكورة ككتاب يرتبط بالمملكة العربية السعودية يدعو إلى التساؤل أو الاستغراب؛ وذلك لأن الموسوعة حسب المعلومات المتيسرة لدي لم تنشر إلا في مصر في مختلف طبعاتها، ولعلّ إدراجها ضمن الكتب السعودية نتج من سهو غير مقصود، وقد سبب فجوة واضحة في تمثيل ما دار في أوعية النشر السعودية حول الحداثة خلال عشر سنوات.
- 5 -
وأخيراً لا بد من التأكيد مرة أخرى على تميز المدونة بتغطيتها الواسعة للألفاظ كما تستعمل في مناطق عربية مختلفة، ولا بد من القول بأن تغطيتها للحداثة ـ بسبب ذلك ـ لا تقتصر على إعطائنا صورة عامة عما أثير أو يثار حول الحداثة من أسئلة دينية وسياسية وفلسفية على الصعيد العربي فحسب بل تكشف عن فروق قطرية في التعامل مع الحداثة كحركة - حركات في تاريخها العربي المعاصر أو تاريخها الغربي، أي أن تغطيتها للحداثة تختلف نسبياً من قطر عربي إلى آخر لأسباب عدة، منها نوعية أوعية النشر المختارة لكل قطر كما نلاحظ في أمثلة المدونة الآتية المقتطفة من بعض مجلات المملكة العربية السعودية وعمان ولبنان.
1
مقتطفات من مجلات سعودية
برهان غليون الذي هناك
المجلات، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
دار الحياة
[... وكان جريئاً في نقد الحداثة العربية التي وصفها في كتاب له بـ»الحداثة المغدورة»، هذه الحداثة التي أقفلت، بحسبه، الأبواب أمام العرب، أبواب السياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والمعرفة].
> مفكر موريتاني يهاجم الحوالي والقرني... يعتبر الأول دعياً والثاني نموذجاً لثقافة الكراهية.
المجلات، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
دار الحياة
هاجم المفكر الموريتاني السيد ولد أباه كتابي [سفر الحوالي «مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة»، وعوض القرني «الإسلام في ميزان الحداثة»، معتبراً الأول قراءة حافلة بالادعاء والتبسيط الشديد لمسار الفكر الغربي.. في حين رأى في كتاب القرني ليس أكثر من محاكمة عقدية متسرعة، ولا يفيد شيئاً في إدراك الحداثة وإشكالاتها المعقدة، مؤكداً أنه نموذج بارز لثقافة الكراهية...].
النص الأدبي بين المعلوماتية والتوظيف الفني
المجلات، المقالات، الثقافية، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
بيادر
[والتنافر وعدم وجود مركز واحد للعمل الفني، كما تظهر في فن ما بعد الحداثة التي ترتكز إلى قيم مغايرة للقيم التقليدية، وقد أشار إيهاب حسن في كتابه «ما بعد الحداثة» إلى السمات التي تميز فنون ما بعد الحداثة. وقد أدخلت القيم الجمالية الجديدة؛ لأن التكنولوجيا أسهمت].
مسمار
المجلات، المقالات، الثقافية، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
بيادر
غير أن هيئة تحرير «بيادر» قد بادرت بإحالتها إلى الأرشيف، ونشرت بدلاً منها مجموعة من النصوص الحداثية المصادمة لديننا وقيمنا وأخلاقنا، في مجاهرة مكشوفة وممجوجة، وذلك في العدد الخامس والأربعين، ولا أدري إن كانت هيئة التحرير لم تطلع على تلك النصوص، فتلك مصيبة، وإن كانت اطلعت عليها وأذنت بنشرها فالمصيبة أعظم؛ ولعلها بذلك تسعى إلى إعادة الحداثة جذعة بعد أن رفضها مجتمعنا المسلم ولله الحمد والفضل.
مجلة الحرس الوطني
المجلات، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
مجلة الجندي المسلم
[يذهب الغذامي بعيداً في تقصي الظواهر، مستثمراً رحابة مناهج الحداثة وما بعدها، مازجاً إياها ببعد هيرمنيوطيقي (تأويلي) وهو السر].
مشروع ثقافي في مواجهة الفكر الأسود
المجلات، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011- 2011م.
مجلة الجندي المسلم
... مع ضرورة الإيمان بقيمة المعرفة وقيم الحداثة والعيش داخل لحظة العصر، وبدون ذلك لن يتم بناء الإنسان وفق رؤية عصرية...
.. [والفكر الظلامي المعادي لكل مشاريع الإصلاح والتجديد وخلق مجتمع الحداثة، ذلك أن الثقافة المضادة دائماً ما تنطلق وتنبثق من رؤية حادة... وتفكيك تلك الثقافة الدينية الظالمة لنفسها والظالمة للآخرين والمعادية للدولة والمجتمع، التي هي في حالة خصومة مع كل قيم الحداثة والتقدم والعصرنة، في حين أن الدين في معناه العميق مع الإنسان لا ضد الإنسان...].
ماليزيا تختار الحكم الإسلامي
المجلات، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
مجلة الجندي المسلم
.. عمَّ رئيس الوزراء الحالي، ومن المعروف عنه على نطاق واسع ميله إلى الحداثة والاعتدال والانفتاح على العالم الخارجي.
هل نمشي إلى الخلف؟
المجلات، الأخبار، الأخبار العامة، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
مجلة الجندي المسلم
... الدولة العربية الحديثة اليوم تتراجع عن الحداثة السياسية داخلياً وخارجياً؛ لتتحول إلى قبيلة أو طائفة من حيث السلوك السياسي، قد نسمي هذا السلوك مجازاً سلوك دول، لكنه في الحقيقية وإذا ما دققنا النظر فيه نجده سلوك طوائف وقبائل.
... وهذا الماضي هاله الرومانسية التي تغلفه، فنعيد قراءته وتركيبه؟ شخصياً، أجد نفسي منحازاً مبدئياً، إلى أن الحداثة غير قابلة للنمو في مجتمعاتنا، أما إعادة النظر في الماضي فتلك قصة مثار جدل، لكنني اليوم مقتنع بأن طريقنا هو السير بثبات إلى الخلف؛ لأن ذلك أفضل جداً بالنسبة لنا...
مستقبل الثقافة تحت ظلال الثورة
المجلات، المقالات، الثقافية، المملكة العربية السعودية، 2011- 2011م.
المجلة العربية
...تلك الثقافة التي تحارب المقولات البائدة وتتطلع نحو الانفتاح والتغيير والإصلاح بغرض اللحاق بركب الحضارة، والسير في مضمار الحداثة التي لا يمكن الوقوف في وجه أمواجها العاتية...
أطفالنا والمسرح الافتراضي
المجلات، المقالات، الثقافية، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
المجلة العربية
... ولكن مع عالم الإنترنت، ذلك العالم الافتراضي الذي ينطلق بلا حدود نحو الحداثة بكل قيمها على مستوى الشكل والمضمون معاً؛ لذلك لم يعد.
التقنية وثقافتها في الفكر المعاصر
المجلات، المقالات، الثقافية، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
المجلة العربية
... كان النقاش حول الحداثة، والصراع بين نزعة الحداثة Modernisme والنزعة المضادة للحداثة Antimodernisme قد اندلع في ألمانيا منذ أوائل القرن وبشكل حاد، وذلك منذ نشر الرسالة البابوية Pascendi dominici gregis سنة 1907، وهي الرسالة التي أعلنت الحرب ضد نزعات الحداثة: (De falsis doctrinis modernistarum). فالمناهضون للحداثة لم يكونوا في نظر الحداثيين يودون فقط الدفاع عن عقائد الكنيسة، وعن مبدأ التراتب الوظيفي في الكنيسة، بل هم رأس مؤامرة خطيرة دنيئة قام بها مجموعة من الناس الظليين، مناهضين للروح العلمية الصاعدة في ذلك العصر، عصر الأنوار، والنزعة الإنسانية، وأفكار التقدم...
... وقد انعكست توجيهات Braig على فكر هيدجر الشاب حيث إن أول كتاباته في هذه المرحلة الباكرة كانت تدخلاً في النقاش الدائر بين نزعة الحداثة ومناهضة الحداثة، حيث دافع بقوة عن التقليد والتراث ضد هجمات وإغراءات الحداثة.
وبموازاة هذا النقاش حول الحداثة كان هنا نقاش فلسفي آخر، وإن ظهر متأخراً نسبياً، أي في الثلاثينيات من هذا القرن، وهو النقاش حول التقنية.
الاستشراق
الدوريات المحكمة، العلوم الاجتماعية، علم الاجتماع، المملكة العربية السعودية، 2011-2011.
وزارة التعليم العالي
وكان للاستشراق دوره في مجال الأدب شعراً ونثراً وقصة؛ فقد استغلت هذه الوسائل في نشر الفكر الغربي العلماني، وبخاصة عن طريق ما سُمِّي (الحداثة) التي تدعو إلى تحطيم السائد والموروث، وتفجير اللغة وتجاوز المقدس ونقد النصوص المقدسة.
واقع إسهام الفضائيات العربية في نشر الثقافة العربية الإسلامية
الدوريات المحكمة، العلوم الاجتماعية، علم الاجتماع، المملكة العربية السعودية، 2011-2011.
وزارة التعليم العالي
... إغراء جيل الشباب للتحلي بها والتخلي عن قيم ثقافته بزعمه أنها قيم الحداثة والعصرنة...
مراجعات في نقد الحداثة: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت
المجلات، المقالات، الثقافية، المملكة العربية السعودية، 2011-2011م.
المجلة العربية عبدالله إدالكوس - المغرب
إذا كانت الحداثة في بداية تشكلها في السياق الأوروبي والغربي قد رفعت شعارات من قبيل الحرية والفردانية والمساواة، واتخذت من أجل ذلك مساراً معرفياً نحو تحرير العقل من سلطة السحر، ذلك أنها كما يرى فيبر هي: «نزع السحر عن العالم»؛ فإن هذا المسار قد أخذ منحنى آخر أفضى إلى عكس ما كان متوقعاً مما كانت تبشر به. يقول آلان تورين (Alain Taurine): «بعد قرون من الحداثة انقلبت العلاقة بين المثقفين والتاريخ في القرن العشرين، ولأسباب متعارضة أكثر منها متكاملة، أول هذه الأسباب أن الحداثة صارت إنتاجاً واستهلاكاً ضخماً، وأن العالم الخالص للعقل قد تم غزوه من قبل جماهير تضع آليات الحداثة في خدمة الطلب الأقل تواضعاً بل حتى المفرط في العقلانية. والسبب الثاني هو أن عالم العقل الحديث أصبح في هذا القرن تابعاً أكثر فأكثر لسياسات التحديث والديكتاتوريات القومية».
دار الحياة (مجلة حسب تصنيف المدونة وهي صحيفة) -بيادر - مجلة الجندي المسلم- المجلة العربية - وزارة التعليم العالي.
2
مقتطفات من مجلة نزوى العمانية 2000-2010 وقد رسمت سهواً في المدونة «نزوة»
«دع عنك لومي» لخليل صويلح في كشف المستور اليومي
يلجأ أنس إلى التنظير من خلال استعراض بعض المقولات المنسوبة لفلاسفة ما بعد الحداثة (إيكو، فوكو، باشلار، داريدا...) مردداً تلك الديباجات كغطاء يمارس من خلاله خطابه شبه الفلسفي...
... فهو مثقف انتهازي وكاتب الحداثة التي ما بعدها حداثة، يكتب بيانات ساخنة وفارغة في الوقت نفسه متأرجحاً بين وجود هزيل ووجود خيالي رافضاً في الوقت نفسه الانسلاخ عن عشائريته.
إسلامان متقابلان سيد قطب - رفاعة الطهطاوي
إن هذه النهضة بدت وكأنها نجحت. لقد أوشكت أن تقود العالم العربي- الإسلامي نحو الحداثة والديمقراطية إلى حدود سنة 1950 - [1950م] ولكن تحرير الاقتصاد المتدرج وعمليات التنمية الاقتصادية للمجتمعات الإسلامية توقفت حينها بفظاظة. وفي كل مكان، تقريباً، استولى العسكريون على السلطة. فتبنوا القومية ثم الاشتراكية كأيديولوجيا. ولحد الآن لم يستفق العالم الإسلامي، أبداً، من هذه الضربة. ومنذ هذه القطيعة ساد الاستبداد والفقر. بطبيعة الحال توجد بعض الاستثناءات التي سلمت من فشل المرور نحو الحداثة، ولكنها نادرة جداً، وتتموقع في ضواحي المجتمعات الإسلامية كما في ماليزيا. من هذا الفشل انبثقت شعبية «قطب» الثورية، ما الفائدة إذاً من جلب الحداثة الغربية، إذا كان الثمن هو خسران الروح، من دون اللحاق بالغرب?
الإسلام والنهضة الاجتماعية
ومن هنا فإن الخروج من جو النزاع والصراع الراهن يحتاج إلى تمييز ثالث مسبق في الحداثة بين الحضارة، أو ما يمكن أن يعتبر المكتسب الإنساني الشامل، الذي يمكن ولا بد من تعميمه على جميع الثقافات والأمم، بل الذي يشكل تعميمه التحدي الأول للشعوب التي لا تريد أن تسقط في الهامشية واللاتاريخية وتزول مبررات وجودها المستقل... وهو ما عرفته في العقود الماضية كل شعوب العالم الثالث، وما قاد الحداثة في أقطارها إلى طريق الفشل والسقوط.
الأسس النظرية لما بعد الحداثة
ليس هناك ما بعد حداثة واحدة، بل هناك ما بعد حداثات، لكنها تشترك جميعاً في بعض الأسس النظرية وصلات النسب بأفكار عدد من ملهمي الفكر الغربي المعاصر في نهاية القرن العشرين، وعلى الرغم من أن تعبير ما بعد الحداثة استخدم في الثلاثينيات من هذا القرن في نص كتبه الإسباني فردريكودي أونيس، إلا أنه استخدم للمرة الأولى بصورة منهجية في حقل الدراسات النقدية في أمريكا: أي في كتابات كل من إرفنج ها ووهاري ليغين وليزلي فيدلر وإيهاب حسن.
الأدب ومواجهة الإرهاب
وفي ضوء ما حملته السبعينيات من هجوم حاد على طه حسين لن يبدو غريباً أن تكشف الثمانينيات عن انتشار رقعة الكتابات حول «نظرية الأدب الإسلامي» باعتبارها إحدى نتائج الهجمة على مبادئ العقلانية وقيم الحداثة. وفي هذا الصدد ستغزو كتب هذه النظرية الساحة النقدية والثقافية، ومن ثم ستظهر كتب كثيرة تعالج الموضوع أو أحد جوانبه. وفي هذا الإطار أخذنا نقرأ عناوين عديدة مثل «الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق» لعلي صبح (1980) و»محاولة جديدة في النقد الإسلامي المعاصر» لعماد الدين خليل (1981) و»نحو أدب إسلامي في الأدب والنقد» لعبد الرحمن باشا (1981) و»في الأدب الإسلامي المعاصر» لمحمد حسن بريش (1982) و»الأدب الإسلامي، قصة وبناء» لسعد أبو الرضا (1983) و»الملامح العامة لنظرية الأدب الإسلامي» لعلي الطاهر محمد (1984) و»بين الإسلامية في الأدب والنقد» لأحمد بسام ساعي (1985) و»من قضايا الأدب الإسلامي» لصالح آدم بتلو (1985) و»مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي» (1985) و»مذاهب الأدب الغربي - رؤية إسلامية» لعبد الباسط بدر (1985) و»آفاق الآداب الإسلامية» لنجيب الكيلاني (1985) و»نحو أدب إسلامي» لأسامة يوسف شهاب (1985) و»الظاهرة الجمالية في الإسلام» لصالح أحمد الشامي (1986) و»نحو أدب إسلامي حقيقي» لهاني فحص (1986) و»الإسلامية والمذاهب الأدبية» لنجيب الكيلاني (1987) و»النقد الأدبي المعاصر» لعماد الدين خليل (1987) و»الحداثة في ميزان الإسلام» لعوض بن محمد القرني... وكل ذلك في المنظور الذي يباعد بين مؤلفي هذه الكتب و»الحداثيين» من «الملاحدة» و»الزنادقة» و»الشذاذ» بدءاً من طه حسين وانتهاء بعبدالله الغذامي ومروراً بالذين يكتبون باللغة الأجنبية أمثال الطاهر بن جلون وسواه من «المتملقين للصليبية».
الأنساق الدلالية والإيقاعية في ديوان البئر المهجورة «للشاعر يوسف الخال»
ولم يتحقق ذلك إلا لأن أسئلة مصيرية تهم الإنسان وعلاقته بالعالم، وبالذات والتاريخ والمجتمع، تمخضت في رحم هذه التجارب الشعرية، ومن ثم كان مال الحداثة الشعرية هو البحث والتجريب المستمرين لخلخلة البنيات الثقافية السائدة: أو ليست هي «التنبؤ بما يعنيه أن نكون في الحاضر»(2) كما يقرر هنري ميشونيك Henri Meschonnic؟!
... ومما يرسخ قيم المغامرة، ويشكل القطيعة هو أن التجديد لم يقف عند رج الثوابت العروضية: من خلال التحرر من الوزن والقافية فحسب، لكنه اتسع ليرسي أسساً حضارية حديثة هي وحدها الكفيلة برعاية مشروع الحداثة الشعرية وضمان استمراره.
التوتر في البيت.. الشعر المعاصر في شبه الجزيرة العربية. وعندما أخذت الحداثة في هز أركان الحياة الخاملة في شبه الجزيرة عند النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظلت الهوية العربية محتفظة بكل قوتها، وهو أمر ندر وجوده في أي مكان آخر. وإلى يومنا هذا يصعب تغيير العديد من الظواهر الاجتماعية والثقافية في الحياة في الجزيرة العربية التي تستعصي على التغيير الشامل. وإن نظر أحد ما إلى المظهر الخارجي التقليدي وهو الزي التقليدي، أو إلى الأنماط التي تميز بشكل كبير الهندسة المعمارية، أو إلى مستوى الثقافة الشفهية الأعمق، فإنه يجد أن المشهد يوحي بدفاع، يصاحبه القلق، عن بقايا الهوية العربية.
الحداثة المغدورة
يكاد يكون هناك اليوم ما يشبه الإجماع على أن أصل الخراب السياسي الراهن في العالم العربي والإسلامي - وهو حقيقة جلية فيما يعيشه من اقتتال أهلي وانسداد آفاق التحول الديمقراطي، وتخفيض مفهوم المواطن إلى مفهوم المولى والمحسوب والتابع - هو رفض العرب والمسلمين مفاهيم الحداثة والتحديث، وأن مصدر هذا الرفض هو الإيمان بمبدأ هو في الجوهر تيوقراطي يرفض التمييز بين الزمني والروحي وبين السياسي واللاهوتي، ويغذي بالتالي مشاعر العداء الدائم للحداثة.
إظهار هشاشة هذه الأطروحات ونقدها هو موضوع الكتاب الجديد لبرهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون، وهو الكتاب الصادر هذا الشهر عن دار لاديكوفيرت الباريسية بعنوان الإسلام والسياسة، الحداثة المغدورة. والكتاب الذي يستخدم التحليل التاريخي والاجتماعي يبدأ بنقد الفرضيتين اللتين تقوم عليهما هذه الأطروحات. الأول فرضية عدم التمييز داخل العقيدة الإسلامية بين ما هو سياسي وما هو ديني. والثانية التي تقول بجمود العقل المسلم واستمرار تعلقه بالتراث ورفضه تمثل قيم الحداثة ومفاهيمها؛ وبالتالي معاداته المتواصلة لها.
فمقابل النزعة الإنسانية التي رافقت تطور الحداثة الغربية سيطرت على نخب المجتمعات العربية الإسلامية الحديثة نزعة تقنية مريضة، نزعت عن الإنسان قداسته، وحوّلته إلى عامل تابع للعوامل التقنية والاقتصادية، بل حولت الوعي الإنساني نفسه إلى عقبة لا يمكن ضمان التقدم التقني والاقتصادي إلا بالسيطرة عليها والتحكم بها إن لم يكن باختزالها وإجهاضها، ومقابل التأسيس المتدرج والثابت للحريات الفردية والجماعية وبناء النظم الديمقراطية.
عبد الله العروي ونظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي
.... وكما أن «الحداثة»، التي أشرنا إليها من قبل، أو بالأدق الحداثة في صيغتها الأوروبية التي تواجهنا اليوم، والتي ينعتها العروي بـ»الحداثة الموشومة»، تزامنت مع الاستعمار. ومعنى ذلك أن العروي لا يتغافل عن الحداثة في صورتها الاستعمارية الاستعبادية الاستغلالية والقاتلة في أحيان... تلك الحداثة التي - وكما يشرح - غيرت الآفاق، وتركت النفوس على حالها..
سعد البازعي.. التنظير العربي تنظير من الدرجة الثالثة
هل يمكن أن يدور الحديث عن «الحداثة» أو «ما بعد الحداثة» في الأدب دون الالتفات إلى تحديث المجتمع؟ إذ إننا نلاحظ على المستوى الفكري أن هناك أسئلة قديمة يعاد طرحها من جديد، وكأن هذه الأسئلة لم تجد لها إجابات لدى رواد النهضة، كيف يتسق هذا الخطاب النقدي مع بروز هذه الردة الحضارية؟
على مستوى من يعرفون بأهل الحداثة هناك نوع من الانفصام الثقافي الذي تأتي أسبابه من مصادر عدة، منها الواقع العربي الذي نعيشه، والذي يختلف فيه الإبداع عن الواقع المعاش، ومنها ما يأتي من المؤثرات الفكرية التي تغير من فهمنا للأشياء تغييراً أحياناً لا يكون منسجماً مع هذا الواقع الذي نعيشه، بمعنى أننا نستورد الكثير من المعطيات الفكرية الغربية لنقرأ واقعنا من خلالها، فهذا يُحدث نوعاً من الاغتراب عن الواقع حتى لدى الحداثيين أنفسهم.
عبدالله إبراهيم العقلانية، والعنف، والهوية، ونقد المركزيات الثقافية
ومع ذلك أوافقك الرأي بأن الثقافة الغربية قد انخرطت في معمعة النقد الذاتي، ولا يمكن النظر إليها بوصفها كتلة صماء متمركزة حول نفسها دون أية إمكانية للنقد، فالحداثة الغربية انطلقت حينما فتحت الأبواب أمام النقد، وبخاصة نقد الموروث الديني - الكنسي، وأنا على دراية بجوانب من هذا النقد، ولست غافلاً عنه، وفي كتابي «المركزية الغربية» وقفت مطولاً على كيفية انهيار الأخلاق اللاهوتية، ونقد الموروث الإغريقي الذي قام به: روجر بيكون، وغاليلو، وبيكن، ثم لوك، وهيوم، وباركلي، وصولاً إلى ديكارت، وسبينوزا، وعمانوئيل كانت، وهيجل، وماركس. ثم وقفت بالتفصيل على نقد جاك دريدا، وهابرماس للتجربة الغربية... ولعل أهم ما له صلة بموضوعنا هو إشارته إلى أن الحداثة تجربة غربية ظهرت في سياق الثقافة الغربية في العصر الحديث، ومع أنه قدم نقداً جذرياً لهذه الحداثة التي لم تنجز كثيراً من وعودها، فإنه دعا بقوة للإفادة منها، وبخاصة في الطريقة التي مارس فيها العقل نقده للظواهر الاجتماعية والدينية. وربما يكون هذا الموقف النقدي هو الذي قاد أركون إلى دراسة التجربة الثقافية الإسلامية حيث وقع صراع بين اللاهوتي والعقلي، وهو صراع استغرق قروناً من السجال والجدل، وقد انتصر للعقلانية، وربطها بالفكر الإنساني الذي بلغ أعلى ذرى تجلياته في القرن الرابع الهجري.
من النهضة إلى الحداثة المبتورة
استرجعت الأنظمة المتسلّطة الزمن ما قبل السياسي، الذي هو، تعريفاً، زمن ما قبل الحداثة، الذي قطع مع الحداثة القائلة بحقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية... لذا كان طبيعياً أن تقوّض هذه الأنظمة فكرة القومية، التي هي علاقة حداثية في جملة علاقات حداثية، مثل الديمقراطية ودولة القانون واستقلال المجتمع المدني النسبي عن المجتمع السياسي
.... واجهت الحقبة التي تلت الهزيمة البديل النهضوي بـ»بديل تراثي» يتعرَّف سلباً، يعرف ما لا يريد ولا يحدّد، في عموميّته الإيمانية، ما يريد. قاد البديل الجديد حرباً منهجية منظّمة ضد الحداثة الاجتماعية، في مشتقاتها المختلفة: تسفيه طه حسين إلى حدود الخيانة، تكفير الناصرية، اعتبار القومية بضاعة وافدة، تسخيف العلم والمعرفة، وصولاً إلى نسبة الفكر النهضوي إلى مراجع غير إسلامية، لا تريد للمسلمين خيراً... وفي مقابل منهج يجزّئ الظواهر الحديثة كي يسيطر عليها اكتفى البديل بعمومية «الإسلام هو الحل»، التي تمحو المشخص ببلاغة مبهمة، تساوي بين تدمير الحداثة و»الصحوة الإسلامية». أرادت الصحوة محو الحقبة النهضوية، دون أن تستطيع استئناف الزمن الذي سبقها، بسبب تغيُّر الأزمنة، ودون أن تجسِّد مشروعها في مجتمع «مستقبلي» واضح الملامح، مقتربة من «سديم تاريخي»، يضع الحاضر في الماضي والماضي في الحاضر، ويكون خارج الزمنين معاً.
نحو حداثة سياسية عربية مقدمات وأسئلة
ليست الحداثة في معطيات هذه الورقة سواء ما تعلق منها بالمنظور الفكري الحداثي أو بالتحديث السياسي، أو ما تعلق منها بالإشكالات الثقافية والحضارية الموضوعة اليوم موضع جدل وسجال في الفكر المعاصر، ليست الحداثة في كل ما سبق مجرد مفهوم أو جملة من المفاهيم الموصولة ببعض الأنساق والمنظومات الفلسفية والوقائع التاريخية الحاصلة في أوروبا ابتداء من القرن السابع عشر، بل إنها كما نتصورها ونفكّر فيها تستوعب ذلك وتتجاوزه، وذلك بناء على معطيات التاريخ الذي ساهم في تبلورها وتبلور المعطيات المركبة والمتناقضة التي نشأت في سياقات صيرورتها وتطورها..
معارك من أجل الفلسفة الإنسانية في السياقات الإسلامية
إذا ما كتب أحد الباحثين يوماً ما قصة كيفية استقبال الحداثة ورفضها خارج أماكن انبثاقها وتطبيقاتها الأولى بشكل مسيطر عليه قليلاً أو كثيراً، فإننا سوف نستطيع عندئذ أن نقيم أنماط النزعات الإنسانية واللاإنسانية التي رافقت هذا الانتقال(11) ينبغي أن نعلم أن الفكر الحديث يظل مركزياً أوروبياً إلى حد بعيد. أقول ذلك بمعنى أنه موجه نحو توسعه المستمر باتجاه الهيمنة، ولا يهتم إطلاقاً بالشروط الإنسانية لاندماجه داخل الأوساط الثقافية والتاريخية الأخرى التي تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار من حيث قيمها وإيقاع تطورها. كان الفلاسفة الأوروبيون الكبار قد أشادوا زمناً طويلاً بالموقف الإنساني، ثم جاء بعدهم مفكرون آخرون لكي يدينوا النزعة الإنسانية النظرية التجريدية، ويعلنوا شعار موت الإنسان بعد شعار موت الإله دون أن يخشوا من التأثيرات السلبية لهذه التمرينات الفلسفية أو المزايدات الفكرية على أوساط اجتماعية ثقافية ظلت بمنأى عن الثقافة العالمية للعواصم حتى في أوروبا نفسها (12). ولكن تأثيراتها تبدو أكثر.
... ولكن جميع الحركات الأصولية المتزمتة ترفض الدخول في هذه المغامرة الجديدة للعقل، وهي حركات تنسب نفسها إما إلى تراثات دينية لا تزال حية، أو إلى أيديولوجيات الهوية والقوميات العتيقة. ونلاحظ في هذا السياق أن الإسلام المعاصر ينهض كقوة معارضة ورفض، وأيضاً كبديل تاريخي في وجه القوى التي تحسم مصير الحداثة وتوجهها. إنه ينهض ضد الحداثة بكل الثقل البشري والاقتصادي والسياسي لمعتنقيه، وبكل التنوع الثقافي والعمق التاريخي لتراثه الحي الذي بقي حتى الآن بمنأى عن الانتقادات أو الاحتجاجات العظمى للحداثة.(32) وعندما أقول القوى الحاسمة لمصير الحداثة وتوجهها فإني أقصد القوى الموجودة داخل الفضاء التاريخي.
(*) تشير المدونة إلى ما يزيد على 350 عنواناً من الدراسات والمراجعات المنشورة في مجلة نزوى وحدها.
3
مقتطفات من مجلات لبنان
الإسلام.. وحداثة الغرب الأولى..
المجلات، المقالات، السياسية، لبنان 2011 - 2011م.
الكلمة
... وقد وجدنا أن مفهوم «الحداثة» استأثر باهتمام مفكرينا العرب والمسلمين، وكالعادة نُضدّت عشرات المقالات والبحوث ثم الندوات للكشف عما تستبطنه رؤى مفكرينا في هذه المسألة، ولم يكن ذلك بأساً فهو مؤشر للتاريخية والثراء المعرفي، إلا أن مفهوم «الحداثة» مفهوم مراوغ، فهو أكثر من ذاته أبداً، ويقول أكثر مما يقال فيه وعنه، ولأنه يمضي في زمن خطي فإنه يدفع بالحاضر.. والآن.. إلى خلفه ليمارس حضوره وآنيته من جديد، وهكذا إلى ما لا نهاية، يحفل بالجديد ويمارس فعل الإدهاش دون هوادة. ما يعني أنه في حركة واندفاع دائمين. ولما كان المسلمون غير منفصلين عن حركة الزمن والتاريخ، وغير منقطعين عن المشاركة الفاعلة في الحياة المعاصرة فإن ذلك، ربما وحده، قد يكون سبباً لأن يتم النظر الدائم والمتجدد بما لا يدعو إلى الملل في معطيات هذا المفهوم وعلاقاته بالوجود الإسلامي، ولكن ماذا تعني الحداثة؟
الحداثة مفهوم مراوغ «ولا شيء يميز الحداثة أكثر من هذا التنوّع الهائل وتواتر التغير الجذري بها، فالتنوّع كبير جداً إلى حد يشك معه المرء فيما إذا كان بوسعه أن يتكلم عن الحداثة كشيء أو حد»(1)
... وعلى وفق هذه الرؤية العقلانية راح عدد من مفكرينا المعاصرين في دائرة الثقافة الإسلامية يؤشرون همزات الوصل بين الحداثة الأولى والمشروع الإسلامي المعاصر مُخففين بذلك من حدة المواجهة المطلقة بين الحداثة والخطاب الإسلامي كمشروع دنيوي في أحد جوانبه، هذا الخطاب الموائم يطلق عليه المفكر العربي الماركسي محمود أمين العالم: (الحداثة الدينية)، ويفترض إلى جانبه حداثتين أخريين، الحداثة الليبرالية والحداثة القومية، وتقوم الحداثة الدينية ـ من منظوره ـ على ثلاث دعامات، هي: بناء حضارة مستقلة متميزة عن الحضارة الغربية، ثم اتخاذ الوحي مرتكزاً للعقل والعمل، وبالتالي تحقيق تنمية مستقلة نابعة من الذات.
المفكر الإسلامي وأزمة العلاقة بين الدين والحداثة
المجلات، المقالات، الدينية، لبنان، 1990- 2000.
المنهاج.
إن حركة الإحياء والإصلاح والنهضة الدينية في العالم الإسلامي ظلّت تعيش اضطراباً وتذبذباً في أغلب أشكالها بين قطبي: الحداثة والدين، وقد ترك التذبذب المعلن حيناً والمكتوم المنكشف بين السطور والمواقف حيناً آخر يُدخل الباحث الإسلامي في صراع وازدواجية وقلق وتأرجح، وقد انقسم الباحثون المسلمون في أغلبهم بعد فترات التأرجح إلى من ظلّ ملتبسةً عليه المقولات الدينية والحداثية، ومن ارتدّ سلفياً بتمام ما للكلمة من معنى، ومن هرب إلى الأمام فسقط حداثوياً تميل حداثته إلى الإلحاد النظري أو العملي...
... والذي يؤكّد أزمة الثقة في المفكر الإسلامي تعامله مع ظاهرة الحداثة بكل ما تحمله من دلالات، فقد حوّل هذا المفكر أحياناً مقولات الحداثة الكبرى إلى مقدّس وفوق تاريخي، ولا محلّي، مع أن بنية تفكيره الحداثي كانت تقوم على رفض المقدّس والمتعالي عن التاريخية والزمانية، وبالفعل صارت بعض مقولات الحداثة مقدّساً يعاقب من يناقش فيها، لكن بدلاً من أن يتهم بالردّة يتهم بالتخلف، وبدلاً من أن يقتل بدنياً يتم اغتياله فكرياً.
دور وتحديات
الدوريات المحكمة، العلوم الاجتماعية، السياسة، لبنان، 2000 - 2010م.
مجلة المستقبل العربي
... دون أن يغفل عن ذكر التحديات التي تواجه هذا الدور. من النهضة إلى الحداثة عبدالإله بلقزيز. يجتهد الباحث في درس الحداثة والحداثيين [ويرى وجوب قراءة الحداثة في الفكر العربي بعيداً عن فكرة المضاهاة والقياس على مثالٍ].
ملهاةُ الحياة في «مأساة الحلاج»
المجلات، المقالات، الثقافية، لبنان، 2000-2010م.
الغاوون
... فالبطل - الحلاّج منتصر في النهاية بشهادته التي ترمز إلى بقاء رماده في ثقافة الحق المبدع المستمرّ في التراث العربي الإسلامي، فكيف نسميها «مأساة»، وهي محاولة مكمّلة لمسرح النهضة، وبداية لمسرح الحداثة، وقد بدأ هذا التوجه في المسرح العربي منذ ما يزيد على مئة عام؟.. وهنا يمكن وضع مسرح صلاح عبد الصبور بين مرحلة النهضة ومرحلة الحداثة في المسرح العربي، حيث أعاد بناء شخصية الحلاّج وفق ما يراه ضرورياً للمستقبل العربي، وتلك حالة نهضوية في كل حال.. بقي أن نقول إن صلاح عبد الصبور هو من مجموعة الشعراء الروّاد: بدر شاكر السيّاب، خليل حاوي، نازك الملائكة، عبد الوهاب البيّاتي.. وهي بداية الحداثة في شعرنا العربي الحديث.
الشعر والدين
المجلات، المقالات، الثقافية، لبنان، 2000-2010م.
الغاوون
أسئلة لا تنتهي عن علاقة الشعر بالدين، حاول الإجابة عنها كامل صالح في كتابه الموسوم «الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدّس في الشعر العربي» (دار الحداثة)...
... وعن موقف السلفية من الحداثة الشعرية يجوز القول إن التيار السلفي رفض حركة التجديد العربية، وأدانها، ليس باعتبارها مجرّد خروج على تقاليد الفكر والإبداع الشعري العربيَّين فحسب، بل وصل الأمر إلى اعتبارها خيانة ومؤامرة بهدف «تدمير كيان الأمّة»، وإلى إعلان مصطفى صادق الرافعي أن المذهب الجديد هو فساد اجتماعي، وأنه يأتي بالذلّة على الأمّة. إلا أن الحداثة أخذت مجراها وراح الشعر العربي يغرف من الشعر الغربي.
قراءة النهضة»: بحث في معاني العلم في المقتطف وفي علاقة المناهضة الثقافيّة بالحداثة»
المجلات، المقالات، الثقافية، لبنان، 2000- 2010م. مجلة.
* أمريكا