تأتي رواية «حسب» للكاتب عبدالرحمن الهايل قريبة من مضامين الحكاية، وما يعزز القول أو يؤكده أنها لم تمهر بأي لفظ أو ذكر للرواية على غلافها أو صفحاتها، فهل ما ورد من إغفال لمسمى الرواية جاء مقصودا من المؤلف، أو من الناشر أم منهما معاً؟
فهذا العمل يمثل أسلوب الرواية الشفاهية للأحداث التي تمت في أزمان فارطة، فيما جاء صوت الراوي للحكايات مفعماً بروح الود والحميمية للماضي وما يكتنزه من قيم معنوية استهلها الكاتب الهايل في التنويه عنها، واصفا الأمر بأنه رؤية أو قصة أو حكاية للشخصية المحورية «خلف» وعائلته، وأدق تفاصيل المعاناة في بيئة قروية وريفية تأتي فيها الأحداث منطقية ومقبولة جداً.
عني الكاتب في هذا السياق بتتبع أدق تفاصيل حكاية الشخوص، بل إنه استطرد كثيراً في استعراض الأحداث المتناهية على نحو ألوان والملابس والغذاء وحركات الصغار والكبار وما حولهما من بيئة متمادية في مكوناتها البسيطة والعفوية التي قد لا تستوجب مثل هذه الإطلالات السردية.
حكاية «خلف» وأسرته لم تخرج عن كونها حكاية للجميع إلا أنه عمل على تتبع التصوير الدرامي للأحداث من منطلق التدوين الحي والمباشر لفكرة الحدث الأهم المتمثل في المعاناة الإنسانية لأسرة غريبة الأطوار جاءت إلى هذا المكان من أجل الخروج من مأزق الحياة الأليمة.
تتمادى الأحداث في الرواية وتتطاول على نحو استقصائي مفعم برغبة الخروج بتعبير متقن عن أدق تفاصيل البيت والقرية والبيئة المحيطة بشخصية «خالد» التي تحرك الأحداث أمام بطل الحكاية «خلف» بل والاستطراد بقوة في رسم ملامح حكايات مشابهة تفضي إلى معرفة تامة بما ستؤول إليه الأمور في محيط هذا القرية التي تختزن في جوفها هذه الإرهاصات الحياتية.
غياب عنصر المفاجأة في هذه الرواية أو الحكاية جعلها تنساب على نحو مباشر للكثير من الصور، فكان من الأجدى أن يتم تحريك الأحداث المتوقعة والرؤى الخفية، وأن يعمد الكاتب إلى استخدام تقنيات السرد المألوفة على نحو الاسترجاع والتمثل والحديث الداخلي وتبادل أدوار السرد من راوٍ إلى آخر بدلا من كشف الحكاية بشكل مباشر.
بيئة النص جاءت مناسبة والفكرة العامة مقبولة إلا أن اللغة التي تناولتها عنيت في عرض مفهوم الكشف المستمر للوقائع وسبر أغوار الذات التي ترنو إلى مزيد من الوئام والألفة من أجل أن يعيش البطل «خلف» وابنه من بعده وأسرته ومن حوله من شخوص ممثلين بأهل القرية في مأمن عن حالات التحول.
فقد أشار الراوي العليم بأن البطل يشغله هاجس التحولات الاجتماعية والمادية حينما أخذ أهل القرى في الجنوب في الهجرة نحو جدة والرياض والظهران طلبا للمزيد من رغد العيش والبحث عن الذات والخروج نحو المستقبل بأي طريقة.
وما قد يلاحظ على هذا العمل أنه لم يقسم إلى أقسام أو يرد على هيئة أبواب أو فصول من أجل أن يسهل على القارئ تتبع منعرجات الخطاب السردي لهذه الأحداث، مما يوحي بأن الكاتب قد جعل من هذه المعالجات الاجتماعية كتلة واحدة لا يلتقط فيها القارئ أي خيوط أخرى أو إيماءات بين السطور أو الإحالة إلى أي شكل أو معنى يلامس بعدها الإلماحي المفترض.
فالأمر الذي يمكن أن تكونه وأنت تتبع تفاصيل حكاية «خلف» وعائلته وجماعته ومحيط بيئته هو أنك لا يمكن أن تخرج بأي إضاءات معنوية أو فنية يمكن الركون إليها، فالأمر لدى هؤلاء هو إذكاء روح الحكاية الإنسانية البسيطة، وتقديمها بشكل سهل ومباشر يراد منها توثيق الواقع والعمل على ترتيبه من خلال الوصف المتكامل والتداعي الوجداني وسبر أغوار الذات التي لا تريد من الحياة إلا مزيدا من الهدوء والسكينة.
حيز الزمان في الرواية مترامي الأرجاء يستدعي تفاصيل الحكاية وتواريخها وهي أسيرة زمن ماض حيث نوه عنه الكاتب في أول سطر من العمل فيما يأتي المكان على هيئة مساحة تكفل للشخوص تحركاتهم ولم يظهر ما يعيق أو يضيف في بعد المكان سوى حركة السرد وتجاذبات الأحداث المتقاربة والمتسارعة في البناء السردي.
****
إشارة:
حَسَبْ (رواية)
عبدالرحمن الهايل
من مطبوعات النادي الأدبي بمنطقة الباحة
الناشر -مؤسسة الانتشار العربي- بيروت 2012م
تقع الرواية في نحو (268صفحة) من القطع المتوسط