الثقافية - عطية الخبراني
صدر حديثاً عن دار لارماتان الفرنسية بباريس النسخة المترجمة إلى الفرنسية من كتاب (الظل: أساطيره وامتداداته المعرفية والإبداعية) للأستاذة الدكتورة فاطمة الوهيبي، الذي ترجمه أحد أبرز المترجمين في هذا المجال أستاذ اللغة والآداب الفرنسية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود البروفيسور نبيل رضوان.
والدكتورة فاطمة الوهيبي حاصلة على دكتوراه الفلسفة في اللغة العربية من جامعة الملك سعود بالرياض عام 1422هـ - 2001م، ورُشِّحت لجائزة الملك فيصل العالمية عام 1425هـ - 2004م عن كتابها (نقد النثر في القرنين الرابع والخامس الهجريين)، وفازت أيضاً بجائزة نادي الرياض الأدبي للدراسات النقدية عن الشعر السعودي لعام 1426هـ - 2005م مناصفة بكتابها (دراسات في الشعر السعودي)، كما فازت بجائزة باشراحيل للإبداع الثقافي فرع النقد والدراسات الأدبية في دورتها الثانية 1427هـ - 2006م مناصفة بكتابها (المكان والجسد والقصيدة: المواجهة وتجليات الذات)، إضافة إلى أنها كاتبة منتظمة في المجلة الثقافية, كما قُدِّمت مؤخراً عروض عمل للدكتورة فاطمة للعمل في عدد من الجامعات المحلية والعربية والعالمية، وما زالت تفاضل بينها.
وقد أصدرت الدكتورة فاطمة كتابها (الظل) المترجم إلى الفرنسية بجهود شخصية, والكتاب مرشح للحصول على عدد من الجوائز المحلية والعربية.
ولنتعرف عن قرب على الكتاب مترجماً توجهنا بالحديث إلى مترجمه البروفيسور نبيل رضوان الذي حدثنا عن مسيرته مع الكتاب قراءة وإعجاباً وعملاً مضنياً.
لقاء أول وفكرة أولى
لم يكن لي علم بهذا الكتاب قبل أن يحدّثني عنه بعض الزملاء في جامعة الملك سعود، وبالتحديد في كلية اللغات والترجمة الذين قرؤوه وأسرّوا لي بأن مترجماً آخر كان قد تعهّد بنقله إلى اللغة الفرنسية ولم يفعل, ويبدو أنهم اقترحوا اسمي على المؤلّفة الدكتورة فاطمة الوهيبي, خاصة أنهم كانوا يعرفون أنني انتهيت حينها من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، وكانوا يتوقّعون أن مثل كتاب الظل سيجد هوى في نفسي؛ لما يتّسم به من طرافة الموضوع وتفرّد التحليل, ولا أخفيك أنني كنتُ متردّدا جدّا قبل أن أقرأ الكتاب، خاصّة أنني كنت قد بدأت تبييض ترجمة القرآن الكريم ومراجعاته الشرعية الطويلة والمضنية.
ويتابع المترجم: حين أقبلتُ على قراءة كتاب (الظل: أساطيره وامتداداته المعرفية والإبداعية) أُعجبت به أيّما إعجاب؛ لما اتّسم به الموضوع من غرابة (بالمعنى الإيجابي للمفردة)؛ فنحن تعوّدنا في السابق على المواضيع الممجوجة، التي قُتلت بحثاً، ولم يعد يستسيغها القارئ لكثرة تكرارها (الجسد، البنية والدلالة، الحداثة، العولمة، وما إلى ذلك من المواضيع المعتادة)، ولكن أن تخصّص باحثة كتاباً من 336 صفحة لهذا المفهوم الضبابي الليلي المشحون بالإيحاءات والمراجع الفلسفية والنفسانية والأدبية والمعرفية والأسطورية فهو أمر يثير فعلاً اهتمام القارئ وفضوله, ولا أُخفي أنني بطبعي ميّال للكتب التي تتناول مفاهيم مطلقة مثل مفهوم الظل؛ ولهذا كانت أفضل رواية قرأتها على الإطلاق عنوانها (العطر) للكاتب الألماني باتريك سوسكيند مترجمة إلى اللغة الفرنسية: Le parfum. ويواصل المترجم نبيل رضوان: ولا يكفي أن يكون الموضوع جذّاباً وطريفاً؛ فمجرّد معرفتي لعنوان الكتاب لم تكن السبب في أخذ القرار بل السبب هو قراءتي له قراءة متأنّية وما وجدته فيها من المتاع الفكري و»لذّة النصّ» - كما يقول المفكّر الفرنسي الفذّ رولان بارت Roland Barthes - وما لاحظته من نقد حصيف ومنهج موثّق ثم كذلك ما اتّسمت به رؤية الدكتورة فاطمة الوهيبي من شمول مبدع.. بكلّ هذا كنتُ حفيّاً ومعجباً عند قراءتي كتاب الظل، وهذا هو الذي جعلني أعكف على نقله إلى لغة موليير دون تردّد.
قيمة الكتاب الفكرية
حول هذا المفهوم يحدثنا المترجم قائلاً: إن كتاب الدكتورة فاطمة الوهيبي يُعدّ من المراجع الأمّهات التي ألمّت بمفهوم الظل, ولعلّها فرصة كذلك أن أشير إلى أن ترجمة هذه الكتاب كانت عسيرة إلى أبعد غاية باعتبار كثرة الحقول المعرفية التي راوحت المؤلّفة بينها فانتقلت من المنظور الإسلامي (قرآنا وسنّة) إلى التراث الصوفي والفلسفي والأسطوري وصولاً إلى علوم الأنثروبولوجيا والنفس والاجتماع .. إلخ, ولعلّ من أبرز سمات هذا الكتاب القدرة الفائقة على التوليف بين معارف تتّصل بما هو قديم قِدَم الفكر البشري ومعارف تتّصل بالفكر الغربي الحديث, ومن المفارقات أن تكون إحالات المؤلّفة إلى أبرز مفكّري العصر الحديث من أسباب اهتمامي بالكتاب، وفي الوقت نفسه كذلك عائقاً من العوائق التي اعترضتني خلال ترجمته إلى الفرنسية؛ ذلك لأن أغلب الشواهد الغربية كانت منقولة بدورها إلى العربية، وفي كثير من الأحيان لم يكن نقلها واضحاً ومفهوماً, والشواهد الفرنسية مثلاً كثيرة في المتن كما في الحاشية، لكنها منقولة إلى العربية؛ الشيء الذي جعلني أهدر وقتاً إضافياً للعودة إلى تلك النصوص الفرنسية لأوردها كما هي إن وجدتها وإلا اضطررت إلى «ترجمة على الترجمة»، وهذا حدث في بعض الأحيان رغم أنني حاولت تجنّبه بقدر الإمكان.
سبق الترجمة الفكرية
من المهم هنا أن يُقال إن الكتاب هو الأول فكرياً في المشهد السعودي الذي يترجم إلى الفرنسية؛ حيث يقول المترجم: والله إنني علمت بذلك من الدكتورة بعد صدور الكتاب بيوم واحد، وأنتم تؤكّدون لي ذلك الآن, فلمّا أقدمنا على ترجمة الكتاب لم نفكّر البتّة - لا أنا ولا المؤلّفة - في هذا المعطى, ولكن هذا من كرم الله وفضله، ولا يمكنني إلا أن أفخر بمثل هذا الإنجاز رغم تواضعه, ودعني أقول لك إن هذا مقدّر لأنني لم أخطّط له يوماً مثلما هو الشأن بالنسبة إلى ترجمتي القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية التي انتهيت منها منذ سنة 2009، وسترى النور إن شاء الله في الأشهر القادمة وقبل نهاية 2011؛ فكل هذه المشاريع التي تساهم بصفة أو بأخرى في تاريخ الفكر العربي الإسلامي تكلّل في الواقع جهوداً وتضحيات وساعات طوالاً من العمل لا تخلو من وجع ومعاناة, فالحمد لله على كل ذلك.
ماذا يضيف (الظل)؟
يستطرد الدكتور نبيل في حديثه بقوله: إنه لمن اللافت فعلاً أن نقرأ كتاباً بمثل هذا التفرّد, ليس في المملكة العربية السعودية فحسب, بل في أي بلد من البلدان العربية اليوم حتى لا أقول أكثر من ذلك, فالمتأمّل في دراسة الدكتورة فاطمة يلحظ فعلاً مدى الإضافة التي يمثّلها كتاب مثل هذا, وليس من المصادفات أن يتمّ من أول وهلة قبول إصدار ترجمة هذا الكتاب من إحدى أعرق دور النشر في فرنسا، هي دار لارماتان L›Harmattan ، وليس في أي سلسلة من هذه الدار بل ضمن سلسلتها المخصّصة للدراسات الفلسفية الحديثة، وعنوانها: (آفاق فلسفية), وعلى القارئ السعودي أن يعلم هنا أن هذا الكتاب قُبِل للنشر كما هو دون تعديل أو حذف وبعدما قرأه مدير السلسلة الفيلسوف الفرنسي الأستاذ الدكتور Bruno Péquignot، وهو الذي قرّر نشره ضمن هذه السلسلة. ويضيف الدكتور نبيل: ولا يمكنني أن أغفل الإضافة الأساسية التي يمثّلها الكتاب بالنسبة إلى المشهد الثقافي والفكري والأكاديمي في المملكة باعتباره نقلة نوعية تبادر باتجاهات بحثية ونقديّة وفكرية أراها جديدة على الفكر السعودي, فمثل هذه المقاربات المتعلّقة بما يمكن أن أسمّيه ب(الأسئلة الفلسفية الكبرى)، أعني المفاهيم المطلقة، تكاد تكون مفقودة - حسب علمي - إذا ما تمّت مقارنتها بغزارة الإنتاج الأدبي والشعري. وحتى لا أطيل، أختم بملاحظة لها اعتبار، هي أنه لا بدّ من الإشادة - ونحن نتحدّث عن هذه المبادرات والإسهامات الفكرية القيّمة - بالدور الرائد للمرأة السعودية ممثّلة في شخص الدكتورة فاطمة الوهيبي, وبخصوص كتابها هذا لمست شخصيّا - إلى جانب بُعده الفكري وقيمته المرجعية وجرأته في تناول المفاهيم المستعصية - طابعاً شاعرياً ووجدانياً يستسيغه قارئ الأدب الأصيل.