قرأت في مجلتكم الثقافية العدد رقم 330 وتاريخ 16-02-1432هـ مقالاً للأستاذ حمد الزيد في عموده ذكريات معهم تحت عنوان: الشيخ المتمرد: عبد الله القصيمي، وذكر في مقاله ما كان يجدر بمثله أن يترفّع عنه، ومن ذلك:
1 - قوله: (وعندما اشتهر القصيمي ككاتب ملحد) لماذا الحديث عن هذا الرجل فقط؟!!، فلا يكاد يمرّ شهر حتى تُكتب فيه مقالة مليئة بالسب والقذف وكأنه لا يوجد في العالم غيره، هل خلت مؤلفات الرجل من كل ما هو نافع أو على الأقل ما يُعتبر تصحيحاً للمدارك وتوجيهاً للعقل؟ هل أفلس منتقدوه؟ هل أضحت بضاعتهم مزجاة؟ إلى متى؟ يكفي يكفي!! أين أنتم من الحديث الذي رواه البخاري - رحمه الله - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبّوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدّموا).
2 - قوله: (فكنّا كالتلاميذ الصغار أمام مدرّس في مدرسة ابتدائية وعندما بدأ ينتقد الرسول صلى الله عليه وسلم والحضارة الإسلامية والبداوة العربية) نعم هذا صحيح ولكنه بتاريخه الفكري وما ألّفه يستحقّ منك ما هو أفضل بغض النظر عن جميع ما بدرَ منه، ولزاماً عليك أن تعلم أنّ لبعض المفكرين طرقاً في عرض رؤاهم عبر مصطلحات تحمل في تفسيرها أوجهاً متعدّدة. أما انتقاده للنبي صلى الله عليه وسلم فنرجوك أن تثبت ذلك نقلاً من كتبه، فلا يخفى عليك الخلاف في قبول أو ردّ ما ينقل عن الأموات، وليتبيّن للناس هل هو من النوع المخرج عن الإسلام أم يبقى في دائرته ويكون نوعاً من الكبائر أو من الموبقات، ثمّ لا أظنّ أنه يوجد في تاريخ الإسلام من هو أشدّ كُرْهاً وعداوةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن أُبيّ بن سلول، ومع ذلك انظر إلى المصالحة السلوكية في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معه بعد موته، روى البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لمّا توفيّ عبد الله بن أُبيّ بن سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أُكفّنُهُ فيه فأعطاه قميصَهُ وأمرهُ أن يكفّنهُ فيه، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلّي عليه، فلمّا أراد أن يصلّي عليه جذبهُ عمرُ بثوبِهِ فقال تُصلّي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم، فتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم وقال أخّر عنّي يا عمر، قال عُمر فلمّا أكثرتُ عليه قال إنّما خيّرني الله وأخبرني فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} لو أعلمُ أنّي إن زدّت على السبعين يُغفرُ له لزدّت عليها، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ}.
أما انتقاده للحضارة الإسلامية والبداوة العربية فهو ديدن كثير ممن أُعجب بالحياة الغربية ومؤسساتها المدنية وليس ذلك بذنبٍ أو جُرْمٍ يؤخذ به قائله.
3 - قوله: (ثم يدّعي أنّ العمّال الإسبان واليهود هم الذين بنوا حضارة الأندلس وأنّ العرب مجرّد محاربين مرتزقة سقط من عيني) يا سيدي هذا رأيه، ولك رأيك، وهل سقوطه من عينيك أثّر فيه أو منعه من المضي في طريقه!!
4 - قوله: (وأدركت أنّ الرجل يهدم ولا يبني وأنّه موتور) كلام مكرر ولا جديد فيه، وربّما الذي أصاب الرجل في بدايات تحوّله ردّة الفعل التي لم يكن يتوقّعها من مثقّفي الوطن العربي فانسحب تدريجياً، أو لعلّ الناس فهموا منه ما لا يريده فأعجبه ذلك منهم فأمّن عليه.
5 - قوله: (ويبدو في هيئته كأحد العامة في مصر أو الشام؟!) لا أدري سبب وضع علامتي الاستفهام والتعجب، وهل انتقلتم من الحديث عن الرجل وأفكاره إلى لمز ملبسه.
6 - قوله: (فقال لو طلبتم النبوّة من المصريين لأعطوكم إياها، ألهمني الله جواباً أعجب الشيخ الجاسر إذ قلت على الفور: أولاً لا نبي بعد محمد وثانياً جاءهم المتنبي ولم يعطوه مزرعة مع أنه كان يطمع بالولاية) جواب القصيمي كان مجرد بيان وتأكيد على كرم المصريين ومن يشكّ في ذلك!!، ما لك وللنبوّة.
7 - قوله: (فهل وقع - أي القصيمي - في حبائل الماسونية) ثم قال: (أقول هذا ولا أستطيع أن أتهم أحداً بلا دليل) كلامك مقبول ولكنك ناقضته بقولك: (لقد كانت الماسونية ولم تزل تصطاد ضحاياها من أمثال القصيمي) فيه رجوع للاتهام غير المباشر، ومن يقرأ كتب القصيمي يعلم يقيناً أنّه أرفع نفساً وذكاءً من أن يكون أحد الساقطين في أيدي الماسونية.
8 - أذكّر أخي الأستاذ حمد الزيد بحديثين عظيمين فليجعلهما الكاتب أمام عينيه كلما أراد أن يكتب عن إنسان.
روى البخاري - رحمه الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان رجلٌ ممن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطّ، فلمّا حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا متّ فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح، فو الله لئن قدر عليّ ربّي ليعذّبني عذاباً ما عذّبه أحد، فلمّا مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائمٌ، فقال ما حملكَ على ما صنعت؟ فقال يا ربّ خشيتك، فغفرَ لهُ). نعم لم تشفع له أعمال الجوارح فهو لم يعمل خيراً قطّ، ولكن شفع له شيءٌ وَقَرَ في قلبه!!!.
وروى البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ، فإنّ بها ضغينة (جارية) معها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تعادى بنا خيْلنا، فإذا نحنُ بالمرأة، فقلنا اخرجي الكتاب، فقالت ما معي من كتاب، فقلنا لتُخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثياب، فأخرجته من عقاصها (شعرها المضفور) فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلْتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يُخبرهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا؟ فقال حاطب لا تعْجل عليّ يا رسول الله إنّي كنتُ امرأً مُلصقاً في قريش (كان حليفاً لهم) وكان ممن معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون بها أهلهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النّسبِ فيهم أن اتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفْعلهُ كُفْراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد صدقكم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعْني يا رسول الله اضربُ عُنُق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّه قد شهد بدراً، وما يُدْريك يا عُمر لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. في هذا الحديث دليل على أنّه قد يكون للإنسان في سابق عهده عمل صالح أخلص فيه النية لله يغفرُ الله له به ما يُستقبل من الذنوب أو يردّه إليه ردّاً جميلاً ويحسن خاتمته، فما يخفيه القلب أخي العزيز لا يعلم به إلا الله.
وختاماً روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: (فو الله الذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعْملُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) إنّ الأعمال بالخواتيم ولا ندري بما ختم الله له فهو بين حالين والله ربّه هو خالقه يعّلم السرّ وأخفى. والله أعلم.
t7-77@live.com