Culture Magazine Thursday  10/03/2011 G Issue 334
فضاءات
الخميس 5 ,ربيع الآخر 1432   العدد  334
 
مساقات
بين شعب الله المختار وشعبه المحتار
أ. د. عبدالله بن أحمد الفَيفي

نعم، نحن ثقافة لا تتقبّل النقد. غير أن ردّة الفعل على هذا الواقع قد تظهر كذلك من تيّارٍ مقابل من الفكر العنيف، العَدَميّ، في ما يراه نقدًا لواقعنا العربيّ، لا يفتأ به يجلد الذات الجمعيّة. وهو فكرٌ متطرّفٌ في ذهابه إلى الاتجاه الأقصى المضادّ لتيّار أولئك الذين يُغطّون الواقع بالغلائل ولا يطيقون نقده. وبذا يقع الفكر العربيّ حائرًا بين فكَّي تطرّفين، تطرّف الجمود، ذي النهج «الأرثوذوكسيّ» من تمجيد الماضي، والذبّ عنه بلا عقلٍ ولا هدى، وصولاً إلى تكفير من يفكّر أو يراجع أو ينتقد، وتطرّفٍ مقابل من الانسلاخ الثقافيّ، بأشكاله المتعدّدة وشعاراته المتنوّعة، المعلنة والمبطّنة، من علمنةٍ ولبرلةٍ وغربنةٍ ودعوى تحرّر. وهذا التطرّف الأخير كالأوّل تمامًا، فكرٌ هدّام، جلاّد، عاطفيّ، انهوس بإكبار الآخر- الغربيّ خاصّة- واستِسفاه نفسه، واستصغار أهله، واحتقار تراثه.

*.. وقد رأينا أنه محزّم بمحزم مربوط به جهاز ذو «أيريل» قصير، «أنتل»، وكذلك محجّل بأساور من نحاس وحديد.. فعزمنا على صيده والقبض عليه، إلاّ أنه كان يستخدم طريقة في الدفاع عن نفسه عندما يشعر بالخطر، ويقترب منه البشر؛ فيبدأ بلفظ مخلفات معدته وبكميات كبيرة فتنبعث منها رائحة كريهة جدًّا فيصعب القرب منه، ثم يعاود أكلها مرة أخرى، ويستخدم هذه الطريقة حتى يُقلع محلّقًا؛ لأنه يحتاج لمسافة 30 مترًا كمدرّج إقلاع حتى يطير؛ وذلك بسبب بعض الأوزان التي يحملها على ظهره وتحت بطنه وبعض القطع المعدنيّة حول ساقَيه؛ ورأينا ذلك عبر المنظار المقرّب «الدربيل». هنا شعرنا أننا أمام تحدٍّ كبير يفوق التوقّع وأنه ذو أبعاد وأهداف ليست فطريّة.. وعن طريقة الإمساك به يقول (الصيّاد) صيّاد: دبّرت كمينًا كريمًا، وهو أنني قمت بذبح خروف ورميته بالقرب من سور المنزل وتركته بدمائه وذهبنا بعيدًا، وجعلتُ بعض إخوتي أمامه للمناورة، فيما قمتُ أنا بمداهمته من الخلف القريب من طَرَف الجدار بعد أن تلقيت إشارة منهم بأنه انهمك بنهش اللحم. قَدِمتُ مسرعًا ورميتُ جسمي رميًا على جسمه وسقطتُ على ظهره، ولقُوّته بدأ يقاومني باهتزاز عنيف؛ حتى تلقيتُ المَدَدَ من إخوتي، ولاسيما أن الوقت ليلاً، وقد بدأ الكرّ والفرّ منذ عصر اليوم نفسه. وكان قبل الإمساك به يُصدر أصواتًا مأنوسة تشبه صوت (الطفل الرضيع!) تجاوبه أصوات أخرى من ثلاثة طيور أخريات اتّخذت من قمّة جبلٍ قريبٍ موقعًا عاليًا، ولم يَدْنُ من بيتنا سوى طير واحد هو الذي أسرناه. بعدها مباشرة حلّقت الثلاثة جوًّا وكأن هناك إشارات وتحذيرات لا سلكيّة صدرت من الطير الأسير.. وعن محتويات الطير يضيف صيّاد: إنه جهاز على ظهره فيه «أنتل» طويل، ولاصق على الجناح يحمل الرمز x63، وحجل معدني حول ساقه برمز H1 - Ho5، والساق الأخرى فيها سوار نحاسيّة مكتوب عليها «إسرائيل ISRAEL»، ومتبوعة بحروفٍ ترمز لجامعة «تل أبيب»، وجهاز ثالث مزروع داخل جسمه متّصل بالجهاز الخارجي! بقي أن نشير *كما جاء في الخبر* إلى أن قرية الضحايا الحائلية تحوي آثارًا ونقوشًا منذ زمن بعيد.. فهل الطيور تلك قصدت القرية؟ أم جعلتها محطّة عبور ضمن محطّاتها التموينيّة وستواصل الطيران لمواقع وأهداف أخرى؟ كما يشار إلى أن صيّاد الخياري تواصل مع جهات الاختصاص وتمّ تسليم الطير لهم.» فهذا الخبر شِبه الأسطوريّ دليلٌ حيٌّ على ما قلناه أعلاه، وأن القوم يفعّلون كل المعطيات، والأفكار، والتاريخ، والجغرافيا، والطبيعة، والماضي والراهن، لتحقيق مآربهم الاستراتيجيّة. ولا شك أن تسخير الطير يأتي استلهامًا لطير سليمان، وإنْ أنكروا، وإنْ كان من سوء طالعهم هذه المرة أن طيرهم وقع في فخ صيّاد ماهر! فمَن لنا -نحن العرب- بمن يسخّر خبرة العرب ومهارات طيورهم في الصيد والطرد، لا في صيد الحُبارى، ولكن في صيد المعلومات والأفكار. مَن لنا بمَن يصنع حاضره من ماضيه، على نحو عِلْميّ؛ فلا ينسلخ من تاريخه وانتمائه، ولا يجعلهما ادّعاءً ماضويًّا «ميغالومانيًّا»، وتفاخرًا فارغًا، لا يُسمن ولا يُغني من جوع! تلك هي المسألة!.

* * *

(1) تجلّى قديمًا، مثلاً، في تلك الحكايات الشعبيّة عن فتون الرجل الشرقيّ المسلم بالمرأة الغربيّة المسيحيّة، ك»حكاية الشيخ صنعان»، (انظر: العطار، فريد الدِّين، (2002)، منطق الطير، دراسة وترجمة: بديع محمّد جمعة (بيروت: دار الأندلس)، 218- 240)، أو «حكاية الشيخ عبدالله الأندلسي»، (انظر: الإبشيهي، (1933)، المستطرف في كلّ فنٍّ مستظرف، (القاهرة: مطبعة المعاهد)، 1: 153- 155). وتلك النماذج المريضة بالآخر -في كل زمان ومكان- سرعان ما تخلع مرقّعاتها، وتغيّر دِينها، وتلبس الزنانير، وتجعل مهورَها لمعشوقاتها من بنات الأصفر: خدمةَ الخنازير، كما فعل الشيخان المذكوران.

(2) النمل: 16- 17؛ سبأ: 10؛ الأنبياء: 79.

(3) بريدة- سليمان العجلان، على الرابط:

http://www.al-jazirah.com

/20101227/lp1d.htm

aalfaify@yahoo.com http:khayma.com-faify

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة