من الشعراء السعوديين الكبار سناً واسماً.. وهو ابن مدينة جدة التي لم يبرحها على ما أظن حتى مماته، وقد سمعت باسمه كثيراً قبل أن أراه؛ فقد كان ينشر في الصحف السعودية ولا سيما صحف جدة باستمرار.. وأذكر أنه في الثمانينيات الهجرية نشر قصيدة رثاء في الأستاذ محمد حسن الزيات صاحب الرسالة وذلك في مجلة (الرائد) التي كان يصدرها أبومدين في جدة.. والطريف في الأمر أن الزيات قرأ رثاءه وضحك وطرب وشكر الشاعر في عدد لاحق لأن موته كان إشاعة وأتذكر منها هذا البيت:
يشتقه حسن الزيات في وطن بين النجوم وبين الشمس والقمر!
والحقيقة أنه شيء جميل أن يحدث مثل هذا الخطأ الأبيض - على غرار الكذب الأبيض - فالإنسان أي إنسان - يحب الثناء والتقدير له في حياته.. فما بالك إذا سمع برثائه قبل وفاته وكأنه قد مات؟! إنه يشعر بالوفاء والامتنان بلا شك لمن يرثيه ويذكره ويمدحه! فالموت في الحياة أقسى من الحياة في الموت؟ أو كما قال شاعر:
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء!
وأظن بأن شاعرنا سمع خبر موت الزيات من مصدر غير موثوق، وما آفة الأخبار إلا رواتها!؟
الشاعر محمود عارف مكثر في كتابة الشعر وقد أصدر له النادي الأدبي بجدة مجموعة شعرية ضخمة في مجلدين عام 1404هـ ولديه على ما أظن شعراً لم ينشر.. ولكن مع أنه شارع أصيل ومطبوع فإن النظم يغلب على الكثير من شعره.. كشأن معظم شعراء جيله من الرعيلي الأول والثاني السعوديين في العصر الحديث.. كما كتب بعض النثر، وإن كانت السمة الغالية على شخصيته هي شخصية الشاعر.
وهو من مواليد جدة عام 1327هـ أي أنه كان بين السبعين والثمانين من عمره عندما تعرفت عليه ثم عرفته عن قرب بدءاً من عام 1402هـ وما بعدها وقد جمعتني به صحبة استمرت قرابة ست سنوات كنا نجتمع خلالها في بيت الشاعر يحيى توفيق أو في بيت السيد عبدالعزيز ابو خيال (يرحمه الله) وأحياناً نلعب له في البيت أو يأتون عندي أو عند الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين أو السيد يوسف زينل.
وكان العارف على اسمه عارفاً مجرباً هادئ الطبع يحب الهدوء والشيشة (الجراك) ولعب الورق (البلوت) وله شخصية أبوية محببة إلى النفس، وهو أسمر البشرة ولكن إشراقه الروح تسيطر عليهن ولا تملك إلا أن تحبه وترتاح لمجالسته.. فهو شخص مريح ومرح لا يحب الجدل ولا الجدال.. ولا يحب الصخب أو الخصومة.. ولذا فقد تجنب في حياته الطويلة المعارك الأدبية والصحفية.. وعاش هادئاً راضياً وقد نيف عندما عرفته على الثمانين من عمره، ومات عن تسعين عاماً تقريباً ودفنا في مسقط رأسه (جدة).
وكنت ألمس حبه واحترامه لي كلما قابلته، ولم أره عابساً أبداً.. ويبدو لي أنه صبور وجند على الدهر أو كما يقول العامة، (صليب وأس)؟ وقد أهداني بخطه الجميل بعض كتبه ودواوينه.
وأخيراً فإن الشاعر محمود عارف من الشخصيات المحبوبة التي لا تنسى وقد كتبت عنه في كتابي (كاتب وكتاب) وهو شيء قليل مما يستحقه رحمه الله رحمة واسعة.
جدة