هل يمكن إدراك الفرق بين انفعالات الشعوب وانفعالات الجماهير على أن الأولى تتعلق بما يمسها بشكل مباشر ويخص أفرادها شخصيا، بينما الثانية فهي لا تخصها مباشرة وإن تعلقت بشؤون تعنيها، وعليه كان القول بأن انفعالاتنا كشباب سعودي شكلت حالة جماهيرية أكثر منها شعبية، أو أننا لم نفرق بين انفعالنا على ما يخص وطننا عن ما لا يخصه كان هو الفرضية التي مهدت للسؤال: هل نريد فقط أن ننفعل؟ نعم، ربما نحن نريد أن ننفعل فقط ولا خطأ في ذلك، لأننا ندرك أن الانفعال هو الحالة التي نعيشها في تفاعلنا مع الحياة بمختلف مثيراتها، وقد أخذت الانفعالات الكثير من اهتمام علوم النفس وركز عليها العلماء في قياس الصحة النفسية للإنسان، لكن هل ندرك بالمقابل أن مجتمعنا يعيش ثقافة تربط الانفعالات بالمعنى السلبي، لماذا نسمي كل شخص انفعالاته حادة جدا ومرضية بالانفعالي! لماذا مثلا لا نتقبل التعبير عن انفعالات الفرح الغامرة كما نتقبل انفعال الحزن، نتعجب من التعبير عن الفرح بالصراخ والحركة بوصفها حالة مبالغ بها بينما نتفهم النواح العالي تعبيرا عن الحزن، نخلط بين الهستيريا الانفعالية وبين الطرق الخاصة أو حتى الشاذة في التعبير عن الانفعال العادي، وفي التربية تسيطر ثقافة عدم التعبير عن الانفعالات بكبتها قدر الممكن، وتكرس قيم كبتها على مختلف المستويات سواء بالرجولة أو بحسن الخلق أو حتى بالعقل، لكننا اليوم ونحن كشباب نعيش مرحلة تغيير اجتماعي مهم صرنا ندرك أننا نعاني في الانفعالات على مستويين، الأول على مستوى حاجتنا إلى ما يثيرها، وثانيا على مستوى التعبير عنها.
ولأن الأحداث السياسية الأخيرة في الدول العربية وجدت كثيرا من تفاعلنا ومتابعتنا كان في ذلك ما يدل وبوضوح إلى حاجتنا الى ما يثير انفعالنا، وهو ما قد يعني أننا لا نجد في حياتنا ما ننفعل لأجله! أو أن ما نعيشه في حياتنا لا نجده مثيرا ما يكفي بالنسبة إلينا، ربما لهذا السبب نحن كشباب ندرك مرحلة التغيير الاجتماعي التي نمر بها ونحس بحاجتنا المستمرة للانفعال دون أن نعرف لماذا، كنا نشكل حالة جماهيرية واضحة في التفاعل مع أحداث الآخرين وكانت درجة انفعالاتنا عالية جدا قياسا بعلاقتنا الخاصة بالحدث وآثاره المباشرة علينا، وكان السؤال كيف يمكننا أن نعي الأسباب الفعلية وراء تفاعلنا مع ثورات الياسمين و25 يناير أو قبلها في أسطول الحرية وغيرها الكثير من شؤون الآخرين؟ ولأن الأحداث التي أخذت من اهتمامنا كثيرا وأظهرنا انفعالات حادة تجاهها كانت أحداثا عامة، صار من اللازم هنا الاستفهام حول طبيعة الحياة الخاصة التي نعيشها كشباب، ما هي الأحداث الشخصية التي يتفاعل معها كل فرد منا وتظهر تجاهها انفعالاته، وما هي طرق تعبيره عنها، وما مدى المساحة التي يجدها كي يشاركها مع من يريد وكيف هي المشاركة، ما هو التفاعل الاجتماعي الذي يجده من الآخرين، فالمفترض هو أن الانفعالات تعلو والتعبير عنها يلح أكثر عندما تكون تبعا لأحداث خاصة تعنينا شخصيا وتلامسنا مباشرة، يمكن أن نلحظ هذا في كيف أن الشغف الحقيقي لأي شاب بهواية أو اهتمام هو مايثير أقصى انفعالاته، عدا عن أنه يستمر في التفاعل معها وبدرجة عالية على مر أيامه، فلا يتوقف انفعاله تجاهها في مرحلة من حياته ولا ينحصر تحت ظروف محددة فقط، يمكن أن نعرف ذلك بشكل أوضح من خلال مقارنة انفعالات شاب في البلد هنا وبعد سفره إلى دولة أخرى للدراسة مثلا، سيدرك هو نفسه أن بعض الشؤون التي كان ينفعل لها لم تعد تثيره بعد السفر، بينما بعضها الآخر يستمر انفعاله عليها، وسيدرك أيضا أن طرق تعبيره عنها ستختلف من هنا إلى هناك، فالفرق في المكان والزمان سيفرض الاختلاف على انفعالاته وهو أمر صحي تماما، لكن الذي يمكن أن لا يكون صحيا هو أن اللحظة التي يعتقد فيها أحدنا أنها تستحق الموت أو التضحية بالنفس البشرية ستتفاوت قيمتها وجدواها بداخله بمجرد اختلاف القنوات الإعلامية التي تابع من خلالها الحدث! يمكن أيضا أن نتنبه إلى أن الشعب الأمريكي الذي يبدي معرفة أدنى من غيره بالعالم الخارجي ويملك أقل المعلومات عن كل ما لا يخص بلاده، مقابل كونه من أكثر الشعوب انشغالا بوطنه وبشؤونه الخاصة ويعرف الكثير والكثير عن حقوقه وواجباته وكل ما يمسه شخصيا وفي مختلف مجالات حياته، كما أنه من أكثر الشعوب التي تعبر عن انفعالاتها وتحمل ثقافته تقديرا عاليا للانفعالات كقيمة يحق للانسان أن يعبرها عنها في أوسع المساحات الزمنية والمكانية، ينعكس ذلك بوضوح على حالة الانبساط التي يعيشها الفرد الأمريكي، وعلى البساطة والأريحية في التعبير عن الذات، فوحده الأمريكي لا يتحرج من طلب المساحة التي يحتاجها ليعبر عن انفعاله أنما كان ولو على منبر الرئاسة.
والسؤال هنا هل ثمة علاقة بين انصراف الفرد عن شؤون الآخرين وأحداثهم، وبين قدرته على التفاعل مع شؤونه الخاصة والتعبير عن انفعالاتها؟ الشعب الأمريكي يثبت هذه العلاقة بكل تأكيد لكنه أيضا يخلق سؤالا جديدا، فلماذا نحن كشباب سعودي شكلنا حالة جماهيرية دون شعبية بينما المجتمع الأمريكي الذي يشكل نموذج شعبي هو أيضا يشكل نموذج جماهيري من الدرجة الأولى؟ أفلا يعني هذا الفرق بين الانفعالين الشعبي والجماهيري أنهما يمثلان حالتين منفصلتين إذن؟!
Lamia.swm@gmail.com
الرياض