Culture Magazine Thursday  10/03/2011 G Issue 334
فضاءات
الخميس 5 ,ربيع الآخر 1432   العدد  334
 
مداخلات لغوية
هل اللغة العربية أصل اللغات؟
أبو أوس إبراهيم الشمسان

يتوهم بعض العرب أن العربية أصل اللغات، ولو أنّ هذا بقي في إطار الحديث والكلام لهان الأمر؛ ولكن المؤسف أن تواجه بجملة من الكتب التي تدعي هذا الادعاء، منها كتاب (اللغة العربية أصل اللغات كلها) لصاحبه عبدالرحمن أحمد البوريني، قال في مقدمة كتابه: «إن النظر المتعمق في اللغات والدراسة المقارنة بينها وبين العربية يكشفان عن علاقة بين تلك اللغات والعربية، لا تكون إلا بين الفرع والأصل، وقد تمّت الدراسة المقارنة بين كلمات أحرف الإنجليزية وبعض من كلمات أحرف أخرى. وبعد الدراسة تبيَّن وجود علاقاتِ مُشَابَهَة بين الكلمات الإنجليزية ومقابلاتها العربيات بالقدر الذي يؤكد صحة انتساب الإنجليزية إلى العربية» (ص10). وللسائل الحق أن يسأل ولِمَ لا تكون الإنجليزية هي الأصل والعربية هي الفرع؟ وقبل أن نمثل لبعض الكلمات الإنجليزية التي أوردها وزعم أنها تدل على أن الإنجليزية فرع العربية ينبغي التنبيه إلى أن اللغة لا تكون فرع لغة بمجرد تشابه في الألفاظ؛ ذلك أن الاقتراض بين اللغات واقع أملته التعاملات والظروف التاريخية، وقد وضعت المعجمات والكتب المبينة لتلك الألفاظ؛ ففي العربية كتب كالمعرّب للجواليقي، ونجد في الإنجليزية معجم وبستر عن تاريخ الكلمات، ونجد منها كلمات يردها المؤلف إلى أصل عربي مثل (Algebra الجبر، Magazine مخزن، Zero صفر)، ولا تكون اللغة فروعاً لأخرى حتى تتشابه اللغتان من حيث التصريف والتركيب، وليس ذلك جارياً بين العربية والإنجليزية؛ فالعربية من الناحية التصريفية اشتقاقية في الغالب، أما الإنجليزية فهي إلصاقية في كثير من ألفاظها، وما فيها من نظام اشتقاقي مختلف عن نظام الاشتقاق العربي وجداوله، والعربية من حيث التركيب يلي الفاعل الفعل بخلاف الإنجليزية التي يلي فيها الفعل الفاعل، وتختلف طريقة إسناد الفعل إلى الضمائر في العربية عن الإنجليزية. حين نقرأ ما اجتهد المؤلف في بيان أصله العربي نرى التكلُّف والربط بين اللفظين بأدنى ملابسة، حتى إنه قد لا يبقى من المشترك الصوتي بين اللفظين سوى صوت واحد، ومن أمثلته (ANEMO) بمعنى الريح يزعم أنها أخذت من (النعامى:ريح الجنوب)، ولست أدري كيف ينتقل لفظ يكاد يكون قليل الاستعمال بين أهل اللغة، وهو في الحقيقة وصف للريح لا اسم لها، ومن ذلك اللفظ (ANEMOGRAPH) ترجمة بقوله «غراف النعامى» أي غراف الريح. وزعم أن (GRAPH) عربية، قال «الغراف: مكيال ضخم». وفي قوله هذا مغالطة؛ فمن المعلوم أن اللفظ أعجمي ومعناه (رسم)، والكلمة الملصقة حديثة الوضع في الإنجليزية؛ لأنها اسم راسم الريح، وغفل المؤلف عن أنه سبق أن ذكر أن العربية أخذت من الإنجليزية اللفظ تلغراف (TELEGRAPH). ومن الألفاظ (APAREGA) ترجمه بسرج لفرس، وذكر أنه من «البرجاس: وهو نوع من السروج، المحشوة توضع على ظهر الدواب». لم أجد اللفظ في المعاجم الإنجليزية، ولم أجد المعنى العربي في المعاجم العربية، والمؤلف لا يوثق مادته حتى يعيننا على المتابعة. و(APE) قرد، يردها إلى اللفظ (حبن)، قال: «الحبن وجمعها حبون: القرد (تحولت الحاء إلى هاء ثم إلى همزة، وحذفت النون)» (ص105)، وقلة من المعاجم ذكرت أن الحبن بمعنى القرد، وكما نرى ليس من صلة بين اللفظين سوى حرف الباء. ومن ذلك اللفظ (asleep) أي «نائم، ميت، ساكن عديم الفاعلية»، يردها إلى «السليب (النائم سليب الوعي والميت سليب الحياة والساكن سليب الإرادة والمقدرة)». وهذا منتهى التكلف. ومن تكلفه عد (cow) أي بقرة، قال «ربما قلبت كلمة (خوار) فصارت (خاور) ثم تلاشت الراء من آخر الكلمة فصارت خاو وتلفظ كاو (جزء من كلمة خوار وهو صوت البقر) (تلفظ الخاء كافًا)». ومن الغرائب جعله (press) بمعنى (يضغط على) من الفرْس، قال «فرس الأسد فريسته: دق عنقها (ويكون ذلك بالضغط عليها، لفظت الكلمة فَرْس بطريقة الخطف فصارت فْرَسْ، ثم قلبت الفاء إلى (p)».

والعربية فيها من ألفاظ الضغط ما يغني عن هذا الالتفاف العجيب، ولِمَ لا يكون اللفظ من الفعل (مرس) وهو أقرب بلفظه ومعناه من فرس الأسد. ومن الغرائب كذلك اللفظ (father) أي (أب) وقد تكلف إرجاعه إلى (أب)، وكان أسهل له أن يكتفي بالقول إنه من (الباذر) أي المنسِل، قال «باذر (تلفظ الباء فاء). با-أب (تقلب الأب إلى با) الذر: النسل (باذر إذن هي أبو الذر)». ولست أعلم لِمَ غفل عن أن البذر أو البزر تعني النسل. وأما (grass) أي عشب فردها إلى «غْرَسْ. غَرْس (لفظت خطفًا)»، ولو اطلع المؤلف على لهجاتنا المحلية لوجد العشب البري المسمى (قرّاص أو قرّيص) أقرب إلى اللفظ الأعجمي. والفعل (have) أي: (يملك، يتضمن) رده إلى «حوى (تلفظ الحاء هاء والواو (v) فتكون الكلمة (هفا) ثم تقلب فتكون هاف». وهو خيال عجيب من المؤلف وتكلف بالغ يمكن به إرجاع كل كلمة من أي لغة إلى غيرها من اللغات الأخرى.

لا ينفع العربية أن تكون أصل اللغات ولا يضيرها أن تكون لغة كغيرها من اللغات، ولكن الذي يضيرها أن يهجرها أهلها فلا تكون لغة العلم أو العمل، ولا يجد مستعملها حرجاً أن يتلفظ أو يكتب من غير اهتمام بصحة استعماله.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة