أسوأ المعارضين الانتهازيون، وأسوأ الإصلاحيين الانتقائيون، وأسوأ المواطنين «الرياليّون».
المواطن «الريالي» هو الذي يضبط مؤشر الولاء والرضا والطاعة لديه على كثافة تدفق الريالات إلى حسابه. إنه قصير النظر إذ لا يعاين من المشهد المبهج بأسره سوى بريق العملة.
أسوأ الشعارات الفارغة، وأسوأ التغييرات الجاحدة، وأسوأ الثورات المتناقضة. حين يقترف أبطال الثورة ما خرجوا للتنديد به، فهم بحاجة لثورة مضادة. الثورة التي تصنع قائمة مطليّة بالسواد، لأناس لا جريرة لهم سوى أنهم أعربوا عن آرائهم المناوئة لها، فهي - في حقيقة الأمر - ثورة تبث الشعور أنها لم تأت بجديد تقريبا. أيّ فارق بين الثورة التي تنشر أسماء «أعداء الثورة» وبين النظام الذي أطاحت به ؟ أي فارق بين طرد المواطنين من (الميادين) -بل وإبراحهم ضربا حتى- وبين سلوك العهد السالف؟ أي فارق بين إقحام كل الرموز الماضية، شاملا الشرفاء، ودون فرز، وبين العقوبة بالهوية مثلا ؟
حين تنقلب «أنا أريد...» إلى «الشعب يريد...»، هكذا بإغماضه عين، فقط لأن بعض الأهالي قالوها، فهو التدليس بعينه. من يخوّل حفنة من السكان النطق الرسمي باسم الشعب بحذافيره؟
«الشعب يريد إسقاط النظام»، النداء الذي يتحتم له أن يدوّي في أعماق كل مواطن، قبل أن يتفوّه به علانية. وفقط بعد نجاح ثورته الداخلية في الإطاحة بالطاغوت الصغير الذي يقبع بين جوانحه، يسوغ له الجهر بهذا النداء، ساعتذاك.
أطنب المعلقون حول شبابيّة الثورات. فما الجديد في الأمر؟ ومتى كانت الثورات طيلة التاريخ خلاف ذلك؟ ولكن، أي فضيلة مستثناة تكمن في حداثة الأعمار؟
من بين المنادين بالدستور والدستورية وفصل السلطات، ما عدد الذين نفذوا ذلك في بيوتهم؟
إذا كان نفر يناصبون العداء لمن هم بعمر الأرض، ويخلعون عنهم رداء التاريخ المجيد، فكيف يتنبّؤون لأنفسهم أن يرضى بهم الآخرون وهم أطفال التقنية ؟ الشرعية التاريخية لا تقل وجاهة ولا أهمية عن شرعية الخطابات.
هل نبل الشعارات كافٍ لنقاء البواعث، ووجاهة الفعل؟ هل سيفصح ذو الهوى والحاسد وصاحب الأجندة الخاصة عن خباياه، أم - كالعادة - سيكسوها رداءً مزركشاً من الغايات البراقة؟ هل نحن صالحون ومثاليون وأنقياء بشكل كافٍ، تماما بالقدر الذي نبدو فيه؟
يتحصّل المعترض على مصداقية أشد من ندّه الموالي. وفي أصعدة عدة، يجري تفخيم رقم المعترضين، بلا برهان، قبالة تقليص عدد الموالين، على نحو مثير للتساؤل. ترى، أهو الزمن الإلكتروني الذي يضفي الهالة إياها على كل شيء غريب ومثير ومخالف؟
لِمَ يذهب بعض الناس لأقصى حد، وبأسرع ما يمكن، ولا يرضَون بالحلول الوسط التي على مهل ؟ ألا تدل مغالاة الناس في مشاعرهم، ورغباتهم، ومطالبهم على طفولة حضارية، وحماقة سياسية، وعته فكري؟
من يقرر مستقبل الأوطان ومصائر الشعوب؟ حين يغدو الوطن رهنا لمقدرة ثلة فحسب، فقط لأن أدواتهم تستطيع، فعلى الوطن السلام.
هل تتشابه الأوطان؟ هل تستنسخ التجارب؟ هل تُصدّر الحلول؟ أليست هي -ثانية- الطفولة والحماقة والعته عينها ؟ ثمة بضائع لا تقبل التقليد. إن الشعب الذي لا يبرمج زمنه وفق توقيته الرسمي المحلي الخاص هو شعب لا يستحق الرخاء.
ts1428@hotmail.com
- الرياض