للقاص فهد المصبح قاموسه السردي الخاص حيث لا يجد القارئ لمجموعته الجديدة «جدران باردة» أي عناء في تتبع منعرجات خطابه السردي، لا سيما مكاشفاته الحادة لصور يود كشفها وتسجيل موقفه الحذر منها.

يسعى القاص المصبح كعادته السردية المألوفة إلى الاقتضاب وتسجيل المشاهد بشكل متوامض لا يشيح عنه بوصفه منهجاً فنياً لا يُجَوِّز الاسترسال أو يثق بالمطولات السردية، إنما يعرف المصبح منذ بداياته بأنه سارد متأنق في عرض أقصر المشاهد وادعاها للحضور في كل قصة من قصصه سواء في هذه المجموعة الجديدة أو ما سواها من كتابات سردية أخرى.

فالمجموعة الجديدة للمصبح تذهب بعيداً في هذا السياق الومضي لتسجيل رؤية متكاملة عن حدث ما على نحو هم الكتابة في القصة الثانية «مداهمة» حيث يضعها في صيغة معيار حقيقي لحالة السرد لديه، حينما يذكي نار الولع في كتابة نص ليس لمجرد الكتابة إنما ما يحسبه بوعي حاد حالة من الحضور الأليم حيث يقارع الشاعر في شعريته والرسام مع لوحته والممثل على خشبة مسرحه؛ حينما يستلهم أدق التفاصيل وأقواها، لكنه لا يتخلى في كل نص من هذه النصوص عن ملكة الإيجاز والتعبير عن كل حدث بعبارة متقنة تخلو من الحشو والترهل.

تتجسد قصص هذه المجموعة في حالة من المشاهد الإنسانية المعبرة .. تلك التي تدور في بيئة الكاتب ولا تبارحه إلى أي عالم افتراضي أو متخيل إنما تتوالى على هيئة صور واقعية يلتقطها من المعاش واليومي لا سيما في قصصه «قبيل صدور الحكم» و «كروش» و»ألق الرغبة» و» تغريبة الحجر» لنجد أن القاص وبدربة متقنة صور لنا المشهد تلو الآخر بأسلوب شيق غير قابل للجدل أو الحدس.

يمكن لنا أن نتوقف عند حقيقة مؤثرة في التجربة السردية للقاص المصبح تتمثل في أنه يدير حواراً لا يكل ولا يمل منه بين الرجل والمرأة حتى انه يسعى إلى جلب جميع الأطراف ويستعين بالقضاء والتاريخ والماضي والصور الحية والمشاهد الحسية لأن يشرح لنا هذا الصراع الأزلي بين المرأة والرجل.

فتارة نجد أن القاص يعمد إلى استجلاب لغة التأثير، واسترداد مشاهد الحس، والتنقل بين كل الصور المعبرة بحثاً حقيقية جديدة يمكن أن يضيفها إلى هذه المشاهد المتوامضة عن زمن بات يزداد تغريباً ونأي، إلا أنه يبرع في وصف المشكلة الإنسانية ويعالجها حينما يعيد أصل الحكاية بوصفها صراع لا ينتهي بين الذكر والأنثى في سائر المخلوقات ليبين في قصة «عبور حالم البياض» أن المرأة والرجل لا يمكن لهما أن يتفقا على شيء طالما أنهما في هذه النقطة التي قد يسمها القارئ بالافتراق والتباين.

قصص «جدران باردة» تحمل مضامين بسيطة، وأبعادا نفسية مترعة بالشوق إلى الفأل والحياة .. حتى أننا في خضم القراءة للمجموعة ندرك أن القاص المصبح قد طوف بنا في حقول الحكايات المترامية ليقطف لنا هذه الإضمامة المنتظمة من حكايات الحب والأمل رغم سطوة الحياة وألم الواقع.

لكن هذا التطواف الدائب في السرد القصصي لم يكن ذا بعد خيالي مجنح يفقد الحدث صدقه إنما جاءت المشاهد لوحات متقنة الرسم والخطوط والأبعاد لخاصية الإنسان الذي يتقن فن الحياة والوعي ليصطاد لنا كل شاردة سردية ببعد فني متقن لا يحيد عنه أو يبدله.

فالقاص المصبح يجيد فن العناية بالنص القصصي لتراه أستاذاً في هذا المجال، يتقن اقتناص الفرصة المناسبة فيسكب الحكاية في قوالب السرد محافظاً على أساسيات فن القصة القصيرة حيث يحضر الزمان وتتلمس المكان ويدهشك الحدث وتأسرك اللغة المنتقاة بلا تكلف أو إطناب.

* * *

إشارة:

جدران باردة (مجموعة قصصية)

فهد أحمد المصبح

إصدارات النادي الأدبي بالرياض 2010م

تقع المجموعة في (80صفحة) من القطع المتوسط

لوحة الغلاف للفنانة زهراء الضامن