لا يكفيه أن يكون مسرحياً؛ فكثيرون يتواصلون مع «ليلى»، ولا ندري رأي ليلى فيهم، أما هو فمتورط في المسرح: دراسة وممارسة وكتابة وتدريساً؛ فلا أقل من أن يسمى (مسرحوياً) كما الحداثوي والإسلاموي الذين تأدلجوا بنظرياتهم حتى باتت جزءاً من تكوينهم الذهني وقضاياهم النضالية المعرفية.
التحق بالإعلام صغيراً؛ فكان من أوائل مذيعي «تلفزيون القصيم»، لم يسبقه إلا عندليب إلقاء القصيدة العامية المتقاعد المذيع الجهير (محمد الرشيد العثمان الحميدان)، وزامله آخرون انسحبوا طواعية من المشهد، وفيهم: (صالح الدبيب وحمد الزنيدي - رحمه الله - ورشيد الحصان وغيرهم)، غير أن أبا بدر امتاز على البقية بدراسته الأكاديمية (ماجستير في الصحافة من الولايات المتحدة) وعمله في الجامعة؛ متبتلاً في شعبة المسرح التي أغلقت - وما تزال - في نفسه حسرة عليها، واستمراره في المجال ذاته عبر كتاباته الصحفية؛ فقد استمرت زاويته العتيدة (كواليس) فترة من الزمن عبر صفحات الجزيرة الثقافية، عدا انتمائه المخلص لجمعية الثقافة والفنون مسؤولاً رئيساً عن الكتابة والتدريب المسرحيين، ولو وفت الأجيال لذكرته وذكرت به وكرمته جزاء ما قام به من جهود استثنائية لتقديم مسرح احترافي ذي لون وطعم ورائحة.
محمد بن عبدالله العثيم (بريدة 1948م) مثقف شمولي في مجال الإعلام؛ فإضافة لما سبق؛ فهو كاتب أغنيات وأوبريتات وسيناريوهات وسهرات متلفزة وأفلام توثيقية، ومواهبه لا تقف هنا؛ فهو متذوق للفن التشكيلي، مثلما هو كاتب مقالي منذ حوالي أربعين عاماً.
للعثيم شخصيته المحلية الجميلة؛ فرغم دراسته في الخارج، وتأثره بالحياة هناك إلا أن عناوين مثل (قبة رشيد والمطاريش) توحي بامتداداته في عمق أهله ودياره حتى باتت «القبة» - وتماثل الداون تاون أو المركز لمدينة بريدة - علامة فارقة يعرفها المشاهدون من خلال أوبريت أبي بدر وبعض الشعراء الذين خلدوها في قصائدهم؛ فوفوا للمكان وسافر معهم غيرهم عبر تفاصيل الزمان والإنسان.
وهنا تساؤل عن التراث يخدمه الدارسون في الخارج عبر قراءات جديدة، وكان الظن بهم أن قد اغتربوا ليتغربوا؛ فإذا بهم المسكونون برائحة العرق والطين، والمتجذرون في أعماق التاريخ، فقرأنا للعثيم مسرحيات (حلم الهمذاني وامرئ القيس وغبار بن بجعة وتراجيع والهيار والبطيخ الأزرق) وأوبريت (النخلة) وبحوثا عن: (الفعل في التراث الشفاهي المنطوق)، وشارك في الجنادرية حينا من الدهر تجاوز ستة عشر عاما، وعمل في عضوية «الجمعية السعودية للتراث واللهجات»، وفي هذه وسواها ما يؤكد أن معظم دارسي الغرب يتفوقون في منهجية الرؤية ويؤكدون جمال الانتماء.
توارى العثيم المذيع، وتقاعد الأكاديمي، وخفت الكاتب، وعانى ظرفاً صحياً قاسياً حتى مَنَّ الله عليه بالشفاء، لكنه بقي مهموماً بالمسرح: تربة وتربية، ومكاناً وإمكانات، وإعداداً لجيل يبني على الأساسات التي وضعها الآباء الهواة الذين تساقط معظمهم من المشهد بسبب العمر والعجز والوفاة؛ فرحم الله مَنْ رحل، وختم بالخير لمن بقي، وأطال في عمر أبي المسرح الأكاديمي الأستاذ محمد العثيم.
ليتنا نلتفت إلى تجربة العثيم الإعلامية الطويلة فنقرؤها ونتأمل فيها ونتساءل: ما الذي يدفع أكاديمياً ومهنياً نادراً كأبي بدر ليتنقل بين الصحف منصرفاً، وإن بشكل جزئي، عن عشقه؛ ليكتب في مشكلات اجتماعية قد يكون غيره أقدر منه، وهو - بالتأكيد - أجدر بالبحث والإنتاج في سواها.
الموهوب ثراء للوطن.