«1»
سطور من تراث الوأد
تحلقوا حول المدفن، خرج من بين الجمع رجل يحمل فأسا وطفق يحفر في الأرض.
اجتثت الفأس جذور أعشاب صغيرة جفت فوق أكوام التراب وتبعثرت بفعل الرياح.
اصطفوا على شكل دائرة، أشهروا سيوفهم وبنادقهم وأطلقوا أعيرة نارية في الفضاء.
رقصوا على قرع الطبول , تمايلوا جذلا ثم انطلقت صرخة مدوية.
- ادفنوها!
ارتدى جسدها الشفيف كفنا منسوجا من عروق ليل طويل. شعت من روحها ومضات عذاب تليد.
امتصتها العتمة، دلفت إلى مهرجان موتها، وتقاطرت أنوثتها شموسا وأناشيد.
أومض طيفها من خلايا الصمت وساد سكون مهيب في ساحة المقبرة.
انصرف الجمع عند حلول المساء. كانوا يلوحون برايات سوداء، ويحملون فوق كواهلهم ليلا حالكا وسلاسل غليظة وبقايا وأد قديم.
«2» صحراء
طوق خصره بحزام ذخيرته، وحمل بندقيته متجها نحو الصحراء.
كانت أصداء الصحراء، تجسد وحدته وتشعره بتفرده كقناص ماهر.
شاهد عن بعد غزالة شاردة، وصمم على اقتناصها بأسرع وقت ممكن.
لكن ذئبا شرسا، لم يكن ضمن حساباته كان كامنا عند جبل قريب قلب موازين المعركة، قرر على الفور تصفيته.
دارت معركة خاطفة بينه وبين الذئب انتهت بمقتل خصمه بزخات من الرصاص أطلقها من فوهة بندقيته.
بفعل دوي الرصاص، هربت الغزالة مذعورة إلى مجاهل الصحراء ولم يعد يرى لها أثرا.
«3» ظلام
تعثرت بعباءتها وهي تعبر للجهة المقابلة.
كادت عربة مسرعة تحيلها إلى أشلاء!!
أزاحت الغلالة السوداء من عينيها..
أبصرت المصابيح المعلقة تتلألأ في أسقف المتاجر..
وضعت يدها على قلبها وهي تلعن الظلام.
«4» بحر وأنثي
كانت الشمس قد أوشكت على الغروب ، بدت خيوطها الذهبية تمتزج بزرقة البحر وكأنها قناديل صغيرة تضيء من بعيد.
اقتربت المرأة نحو الشاطئ ، حدقت عبر الفضاء الرحيب لم يكن بينها وبين البحر حجاب.
تركت أسمالها الرثة قرب الشاطئ المقفر ، توغلت عميقا نحو البحر وهوت كنجمة مضيئة.
«5» مكابدة
على قمة جبل شاهق، استفاق الصقر من إغفاءة قصيرة. نفض جناحيه الأسودين، رأى سحابة مكللة بالبروق تجري في السماء ، هب لمطاردتها وعندما شعر بالهزيمة ، أدرك أن هذه سحابة وليست طريدة.
تدفق قليل من غيث السحابة على قمة الجبل ، أسدل الصقر جناحيه وعاد لغفوته من جديد.
«6»ظلام
تعثرت بعباءتها وهي تعبر للجهة المقابلة.
كادت عربة مسرعة ، تحيلها إلى أشلاء.
أزاحت الغلالة السوداء من عينيها..
أبصرت المصابيح المعلقة تتلألأ في أسقف المتاجر.
وضعت يدها على قلبها وهي تلعن الظلام.
«7» ذكرى
انهمك في إزالة الغبار من بندقيته (ستينية) الصنع.
دارت في شريط ذاكرته ملامح لرجال قتلوا في معارك طاحنة وبنادقهم الجديدة مبعثرة قرب جثثهم.
أحصى كمية الطلقات النارية التي استلمها من أمين مستودع الذخيرة.
ثمانون رصاصة كانت في عهدته ، نفدت كلها في الهواء الطلق.
«8» لص
سأل السيد بعض أعوانه:
هل أحصيتم ثروات الأرض؟!
أجاب أحدهم:
كل شيء أحصيناه وحفظناه في خزائنك ، لكن الجوع تفاقم في البلاد سيدي.
قال:
خذوا القليل من الفتات وأطعموا كلابي.