Culture Magazine Thursday  11/02/2010 G Issue 298
فضاءات
الخميس 27 ,صفر 1431   العدد  298
 
السبيّل والسبيل
فهد المصبّح

جاءني هذا السؤال، ومفاده: هل فشلُ المثقفين كان سبباً وراء استقالة السبيل؟ فكتبتُ مستعيناً بالله ما يأتي:

في البدء أود أن أؤكد أنني ما كنت لأخط هذه السطور والدكتور عبدالعزيز السبيل في منصبه وكيلاً لوزارة الثقافة للشؤون الداخلية, ساعتها قد يظن أحد أني طامع في منفعة؛ لذا أرجو أن يتسع صدر أبي حسان لما سأقوله؛ فله مني سالف الاعتذار.

عرفت الرجل منذ كان عضواً في إدارة نادي جدة الأدبي, وعرفته أكثر من سعيه الحثيث وراء إصدارات النادي المتميزة, عرفته إنساناً طامحاً لأجواء ثقافية متميزة, لا يمل من محدثه, هاشاً باشاً عند الصغير قبل الكبير؛ فأُعجبت بشخصه الكريم, وتشرفت بدخول منزله مرة واحدة على امتعاض من بعض الحاضرين.

ثم دخل الوزارة؛ فخشيت أن يتعالى علينا بمنصبه الكبير, لكنه ظل كما هو متواضعاً حد الطمع فيه؛ فخذلناه نحن المثقفين وليس إداريي الأندية فقط, بالاستقالات الفجة التي أربكت مشهدنا الثقافي, ولو كان فظاً غليظاً لترددوا في ذلك؛ فهذا هو الحال مع الإنسان المفعم مرونة, وهذه ضريبة مَنْ انتهج سياسة الحوار الهادئ.

نعم خذلناك يا سيدي وكنا وراء استقالتك, ولهذا دعني أسرد عليك حادثة, أو ربما عقدة ظلت معنا من الطفولة حتى النضج, أذكر ونحن صغار كنا نخاف من المدرس العبوس الذي لا تفارق العصا يده, أما المدرس الوديع المتفهم لعمله فكنا نتطاول عليه, وما عرفنا قدره إلا بعد زمن, فصرنا نذكر أيامه بالخير, ونلعن مَنْ كان يضربنا ويقسو علينا بترفع الأستاذية, فهل نحن نفعل ذلك الآن؟ لا أدري.

وحسب معاصرتي لإدارتي الأندية الأدبية السابقة والحالية, أرى أن هناك فاشلين وناجحين في كلتيهما, وهناك قصور وإجادة في الإدارتين، وهذا هو حال البشر, لكنَّ أمراً يجب أن نعيه جيداً، أن الإبداع يحتاج إلى استقلالية مفقودة في عالمنا العربي؛ فهم يعملون حسب لوائح أُعدَّت لهم لا يتجاوزونها, فالسابقون واللاحقون لن يحققوا إبداعاً وتميزاً على مستوى العالم ما دام الرقيب موجوداً, وأنا هنا لا أنصح بالانفلات؛ فهو مدعاة للفوضى, بل الانضواء تحت سلطة الدولة عنصر رئيس في البناء والتقدم إن أتاحت له حرية التعبير المنضبط.

يقول الشاعر الأفوه الأودي:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا

لذلك أنا مع التعيين لا الانتخاب, وهو رأيي لا ألزم به أحداً, وربما أكون مخطئاً فيه, فقط المطلوب مساءلة المقصر بروية ودون عنف, وثواب المحسن دون إفراط, عندها يحسب القادم إلى الإدارة ألف حساب, ولن يخفى على فهمكم النيّر ما تقوم به الجهات الرسمية الآن من محاسبة للمخالفين, نابعة من وعي وقناعة ولي الأمر, قناعة ترفع مجتمعنا إلى مصاف الدول المتقدمة.

إنَّ تعيين الإنسان المناسب في مكانه هو ما سار عليه سلفنا الصالح, أما الديمقراطية ففيها من العيوب ما الله به عليم, ولم يمتدحها كبار الفلاسفة من سقراط إلى سبينوزا؛ لذلك لن تصلح الأندية أو المؤسسات الثقافية إلا إذا اعتمدت على الله أولاً وأخيراً, ثم على نفسها, وأزالت من فكرها عبارة كم لي؟ كي لا ينطبق عليها الأثر الشريف "بل فعلته ليقول الناس، وقد قالوا", فالإدارات السابقة استمرت حتى طلب منها الاستقالة, والإدارات اللاحقة بدأت عهدها باستقالات مبكرة, فلا تلك نريد ولا هذه نبغي؛ فكلها يجانب الوسطية؛ ولذلك المقارنة بين الإدارتين في نظري القاصر لاغية من أساسها.

وللإدارة رجالها الذين يختلفون عن أهل الإبداع؛ فوجود مبدعين في وسطنا المحلي مثل حبيبي والصحيح وخال والصلهبي والملا والدرعان والسبع والتعزي والحازمي والحرز وغيرهم كإداريين لا يفيد بشيء, ومن السهولة بمكان الحصول على إداري ناجح, أما المبدع فبالكاد الحصول عليه في القص أو الشعر أو المسرح أو الموسيقى, وعندما نضع المبدع في منصب إداري يحار بين إبداعه والإدارة؛ ما قد يسبب تراجعاً في مستواه الفني, عندها لا نحن حققنا الأولى, ولا أصبنا الثانية, ولو فرغناه ولو عاماً واحداً لأبدع أكثر؛ لذلك ربما الدكتور عبدالعزيز السبيل يعلمنا باستقالته درساً طالما تغنينا به, بأن الإنسان في المنصب الإداري كعابر سبيل, فرجال هذا البلد المعطاء كُثُر, وأحسب أن مرحلتنا هذه هي الأنسب للإصلاح والمراجعة, في ظل ولي أمرنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز, فهو يدعونا إلى العمل الجاد بتواضع وتسامح, سدَّد الله خطاه وحفظه من كل سوء, خادم الحرمين الشريفين, بل الحُرم الثلاثة مكة والمدينة والقدس, وليس الحرمين فقط, بعد جمعه عباس ومشعل في مكة المكرمة, وقبل ذلك مبادرته الرائعة التي جيرت للدول العربية.

أتمنى أن أكون قد وُفِّقت في كلامي, ووفيت نجل إمام الحرم المكي حقه, متمنياً له علو المكانة في الدنيا والآخرة. والله حسبي.

الدمام
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة