Culture Magazine Thursday  11/02/2010 G Issue 298
فضاءات
الخميس 27 ,صفر 1431   العدد  298
 
مداخلات لغوية
هل يلتقي ساكنان؟
أبو أوس إبراهيم الشمسان

من قواعد العربية المشهورة أنّه يتعذّر النطق بساكنين متواليين، فإن التقيا أقحمت حركة بينهما للتخلص من هذا اللقاء، كما في لقاء النون من (منْ) والسين من (استطاع) في قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (97-آل عمران)، فالكسرة أقحمت بين النون والسين. ويعدّ الصرفيون من الساكنين الألف من (على) ولام التعريف من (النّاس) الواردين في الآية السابقة، وهو أمر مختلف إذ الألف حركة طويلة، والمشكلة إنما هي تكوّن مقطع طويل مغلق في وسط الكلام (ص ح ح ص)، وهذا غير مقبول في العربية ويجب التخلص منه، ولذلك يلاحظ أن هذه الحركة الطويلة في (على) تتحول إلى حركة قصيرة (فتحة) فتسمع (علَ) وبهذا يتحول المقطع الطويل المقفل إلى مقطع قصير مقفل (ص ح ص) وهذا مقبول. ويتحدث الصرفيون عن حالتين يغتفر فيهما اجتماع الساكنين إحداهما أن يكون صوت المدّ متلوًّا بصوت مدغم كالألف والباء المشددة في قوله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء} (45- النور) وظاهره كالمقطع الطويل المغلق (ص ح ح ص)، ولكن الأمر ليس كذلك؛ إذ الحركة الطويلة قد زيدت مدًّا حوّل المقطع إلى مقطعين (ص ح ح- ح ص)، فهو مثل إقحام الحركة للتخلص من التقاء الساكنين، وهذا الأمر وهو المدّ تنبه له المجوّدون وأصحاب الأداء وجعلوا له مصطلحًا هو (المد اللازم الكلمي المثقّل)، ويظهر الفرق عند الموازنة بين الألفين في (دابٌ- دابَّة). وأما الحالة الأخرى فهي عند الوقف، كما في قوله تعالى {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5-الفاتحة)، ويحدث المدّ هنا كما حدث في الحالة الأولى، وكذا القرّاء المجودن يمدون كما يمدون في وسط الكلام، فيستوعب هذا المد الثقل الذي وهبه التقاء المد والساكن، كأنما أقحمت حركة بينهما فصار المقطع (ح ص ص- ص ح)، وهذا الأمر قرره المجودون وجعلوا له مصطلحًا هو (المد العارض للسكون). وقد يلتقي ساكنان عند الوقف لسقوط حركة الحرف الأخير للوقف؛ إذ لا يوقف على متحرك بحركة قصيرة. ومن ذلك العين والدال في قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (1- القدر)، ولكن على المستوى الصوتي لا يلتقي ساكنان، يقول نعيم علوية (بحوث لسانية، 188) "إنّّ الشيء الذي لا جدال فيه هو أننا نلفظ في كلمة (القدْر) دالين، الأولى ساكنة والثانية مكسورة، إذ يميل بنا جهاز النطق إلى تغليب الدال المكسورة على الساكنة حتى نكاد لا نشعر، أو لا نسمع، سوى المكسورة. هنا ينشأ تفكير مؤادة أن الدال (حركت بالكسر منعًا لالتقاء الساكنين) ولكن الذي جرى هو أن الدال كررت (دال ساكنة+ دال مكسورة) حتى يمكن فك سكونها". وكان قد بيّن اختلاف هذا عن كون القاف مكسورة في مثل (قدِر). ولعل هذا النوع من التخلص من التقاء الساكنين وجد عناية من بعض العرب على قلة؛ فكان من طرائق الوقف عندهم أن تقدم الحركة لتحول دون التقاء الساكنين، قال الفارسي (التكملة 191)، "فيقولون: هذا بكُرْ، ومررت ببكِر". وهكذا نسمعها اليوم بضم الكاف في الحجاز، وبكسر الكاف في الجزيرة العربية والشام.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة