لما كنت طالبا في (معهد إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب) رحمه الله في الرياض (دخنة) قبل حوالي خمسة عقود كان من مدرسينا الأستاذ محمد العيد الخطراوي، ثم دارت الأيام وأكملت دراستي، ولم أعرف أين ذهب أستاذي، فلما استقر في المدينة المنورة أو (النبوية) سمعت عن نشاطه في النادي الأدبي وسمعت عن مؤلفاته الكثيرة ومحاضراته وندواته ومقالاته.
وكنت أود اللقاء به والاعتذار عن هذا العقوق الذي استمر عقودا، وقرأت له مقالا في المجلة العربية (التي كتبت فيها مؤخرا ثلاثة مقالات عن كتب الفلك، والنبات، والفكاهة) ثم هوّنت لأن (حنا في ديرة هوّنّا)، كان مقاله (من ألاعيب الشعراء) ثم كتب مقالا آخر (عن الشاعر بدوي الجبل).
أخرج د. محمد كتابا طريفا هو (قراءة في دفاتر بعض الحمير).
كتب عنه الأستاذ محمد الدبيسي في هذه الجريدة، فحرصت على الحصول عليه وسألت بعض مكتبات الرياض فلم أجده، فحصلت على رقم نادي المدينة الأدبي وجوال الدكتور واتصلت به ووعد (مشكورا) بإرسال الكتاب لي.
جاءت فرصة لي لزيارة المدينة فحرصت على لقاء الدكتور، فتفضل الأستاذ محمد الدبيسي أحد أعمدة النادي الأدبي بالمدينة وأحد كتاب هذه الجريدة بتسهيل ذلك، وهذا ما كان، ففي منزله العامر ومكتبته الزاخرة بشتى أنواع المعرفة والعلوم كان اللقاء، وأهداني -مشكورا- من كتبه:
- قراءة في دفاتر بعض الحمير 1430هـ.
- الأفاشير.. وأضغاث أخرى من القول- نادي المدينة الأدبي 1426هـ.
- الشيب في الشعر العربي- طبعه نادي القصيم الأدبي 1428هـ- 311 صفحة.
- في الغناء بالفصحى.. انتماء للهوية وانتصار للعربية 1427هـ.
- كتاب عنه للدكتورة أسماء أبو بكر أحمد عنوانه (جماليات التشكيل التخالفي في شعر الخطراوي) من إصدارات نادي المدينة الأدبي.
وفي بيان مؤلفاته في بعض كتبه تبين أن له قرابة خمسين كتابا، 26 تأليفا، 11 تحقيقا، 12 ديوانا.
وألفيته يتمتع بذاكرة جيدة فقد سرد بعض الوقائع والأحداث في ذلك المعهد.
ولما تصفحت وقرأت بعض كتبه وجدت ثقافة الرجل ومعلوماته واسعة، فقد ألّم بموضوع كتابه عن الحمير (سأكتب عنه مقالة مستقلة).
وفي كتابه (الأفاشير.. وأضغاث أخرى من القول) قال في كلمة (مفتتح) (ولعل أهم هذه المقالات جميعا المقالة الأولى (الأفاشير)، ذلك أنها دراسة أدبية نجحت في تحقيق الهدف، وكشفت لأول مرة في تاريخ الأدب العربي عن جنس أدبي قائم بذاته، أسميناه (الأفاشير) وهو من الفنون السردية كما أبنّا ذلك).
ثم أورد هذا العنوان (قول في الفشار والأفاشير.. تأصيل وتفصيل) وبيّن ما ورد عن الكلمة في القواميس وكتب اللغة والشعر كقول ابن نباتة:
قلت يا لائمي على قول مالي
في هوى الحب.. دع كلام الفشار
وتكلم عن الفشار نثرا وشعرا في صفحات كثيرة من 9 إلى 49.
وفي الفصل التالي (الأسلوب الذِّكْري لدى عنترة.. معالمه وسيرورته) (بكسر الذال واسكان الكاف) أورد بيتي عنترة في ابنة عمه عبلة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني، وبيض الهند يقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف، لأنها
لمعت كبارق ثغرك المبتسم
وتذكرت هنا بيتين من الشعر العامي (مع الفارق)، قال فهد بن أحمد (من أهالي القرينة) في سامرية، وهو الذي مات فقيرا مدقعا وله قصائد تنبئ عن معاناة وفقر وعوز:
شفت برق ينوض وقلت ذا الوسم بكر
واثره ذاك الحبيّب يوم يوضي جبينه
وقول محسن الهزاني:
ومبسم هيا له بالظلام اشتعالا
بين البروق وبين مبسم هيا فرق
وقول ابن حصيص:
ريق سارة مثل سكر في غضارة
أو حليب بكار عرب مسمنات
والمطوع لو يشوف خديد سارة
ضيع المكتوب وقرآن الصلاة
ومن فهارس (محتوى) الكتاب اخترت لكم:
- من مساجلات الشاعر الغزاوي (شاعر العهود الثلاثة)
- سيارة أبي علي
قال في هذا الفصل ((سبق أن كتبت عن شاة سعيد، وبغلة أبي دلامة، وطيلسان ابن حرب، وها أنا اكتشف رابعا لها في ديوان صديقنا الشاعر صاغها في عدة قصائد من ديوانه (دموع وكبرياء)).
- ثلاثاويات علمية وأدبية في المدينة المنورة- مواعيد أهل المدينة العلمية والأدبية.
- ثلاثي الزهور الحمر
- الأمير عبدالله بن سعد السديري في شعر علي حافظ
- الأحد الأزرق عند درويش
- المليحات داخل الألوان
وفي هذا الفصل أورد معارضات الشعراء لقصيدة الدارمي:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بزاهـد متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
وقصتها المشهورة:
وسأورد هنا البيت الأول من كل معارضة:
قال كشاجم:
قل للمليحة في الخمار الأكحل
كالشمس من خلل الغمام المنجلي
وقال الباقلاني:
قل للمليحة في الخمار المذهب
ذهب الزمان وحبكم لم يذهب
قال المحسن بن التنوخي:
قل للمليحة في الخمار المذهب
أفسدت نسك أخي التقي المترهب
وقال عبدالله الحامدي:
قل للمليحة في الخمار المشمشي
كم ذا الدلال، عدمت كل محرش
وقال محمد بن حيدر بن علي:
قل للمليحة في القناع العصفري
يا شمس ها شفق الشروق فأسفري
وقال ابن معصوم:
قل للمليحة في الخمار الأطلس
أفسدت عقل أخي التقي المتقدس
(الأطلس لون ما بين الأبيض والأسود أغبر أسود يشبه لون الذئب)
وقال ابن مشرف الأحسائي:
قل للمليحة في القميص الأحمر
ماذا فعلت بعابد مستبصر
وقال محمد بن أرسلان:
قل للمليحة في الخمار الأحمر
لا تجهري بدمائنا وتستري
وقال إلياس بن طعمة:
قل للمليحة في الحرير الأحمر
ماذا فعلت بشاعر متكبر
وقال المؤلف محمد العيد الخطراوي:
ذات الخمار الأزرق
رفقا بصب عاشق
عصف الهوى بفؤاده
منذ اللقاء المشرق
وقال أيضا:
قل للمليحة في الخمار الأزرق
ماذا فعلت بناسك مستغرق
- زكي قنصل والهيام بالحرف
وفي هذا الفصل أورد المؤلف قصيدة جميلة لطيفة في الذين أدركتهم (حرفة الأدب)، وكنت كتبت مقالا في هذه المجلة عن هذه الفئة وأوردت فيه أبياتا لعدة شعراء، ليس من بينها القصيدة التالية التي أورد منها د. الخطرواي 32 بيتا، اخترت لكم منها الأبيات التالية:
هام بالحرف، وثنى بالقلم
وجنى اللذة من كرم الألم
حسبه - والناس في شهواتهم-
كسرة الخبز تعالت عن وصم
شبعت عيناه، لكن روحه
كلما أطعمها ازدادت نهم
ركب الوهم إلى غاياته
بورك الوهم منارا للهمم
أزة الريشة في قرطاسه
هي في أسماعه أحلى نغم
ليس يغريه نفوذ وغنى
ولقد يأسره طرف وفم
لذة العيش كتاب عنده
ينشر البسمة في ليل السأم
إن ينم أترابه في راحة
أغمض الجفن ولكن لم ينم
زرع الحب غذاء للورى
وكسا الصحراء زهرا ونسم
عشق الحسن، ولكن مثلما
تعشق النملة ريحان الأكم
قاصمات الظهر لا تشغله
ولقد يشغله طيف ألم
وانطفاء البدر لا يؤلمه
ولقد يبكيه عصفور وجم
ألف الهـم، فلو فارقه
حل فيه لفراق الهـم: هـم
وبعد هذه الجولة الممتعة المختصرة مع د. الخطراوي في هذه الحدائق الغناء اسمحوا لي أن أورد بعض مؤلفات الأستاذ المؤلف:
- شعراء من أرض عبقر (دراسة لمجموعة من الشعراء السعوديين- جزءان) نادي المدينة المنورة الأدبي 1399هـ.
- شعر الحرب في الجاهلية بين الأوس والخزرج (دراسة)- مؤسسة علوم القرآن بيروت 1400هـ.
- البنات والأمهات والزوجات في المفضليات وأشياء أخرى- نادي المدينة المنورة الأدبي 1419هـ.
- محمد سعيد دفتردار مؤرخا وأديبا- نادي المدينة الأدبي 1424هـ.
- الصفع بالكلمات (صفعة على قفا مدخن) الناشر: المؤلف 1426هـ.
ومن الدواوين:
- أمجاد الرياض (ملحمة شعرية في حياة الملك عبدالعزيز)- شاركت في طباعته دارة الملك عبدالعزيز 1394هـ.
- غناء الجرح- نادي المدينة المنورة الأدبي 1397هـ.
- همسات في أذن الليل- نادي المدينة المنورة الأدبي 1397هـ.
- ثرثرة على ضفاف العقيق (مختارات من شعره) 1424هـ.
ثم: تحقيق كتاب عارف حكمت حياته ومآثره وهو (شهي النغم في ترجمة شيخ الإسلام عارف الحكم) لأبي الثناء الألوسي- دار التراث بالمدينة 1403هـ.
وأخيرا.. ها أنذا.. بعض ما كتبه الأحباب عني (مجموعة مقالات ودراسات كتبت حول المؤلف وإنتاجه الأدبي والعلمي).
وبعد.. فإني أهيب بربان هذه المجلة د. إبراهيم بن عبدالرحمن التركي أن يبادر لإصدار ملف عن الأستاذ د. محمد العيد الخطراوي، فهذا أقل الواجب نحو هذا الشاعر الأديب المفضال، وشكرا للجميع..
محمد بن عبدالله الحمدان
مكتبة قيس
www.abu-gais.com