الثقافية - علي القحطاني:
في حياة غنية بالفصول الملهمة والإنجازات، حيث يتحول التحدي إلى فرصة والشغف إلى إنجاز، يشاركنا الأستاذ عبدالرحمن الحازمي، مدير الشراكات الاستراتيجية لشركة يوتيوب العالم العربي، قصصًا من طيات تجربته الشخصية، في حديثه لـ «الثقافية».
يكشف الحازمي كيف ساهم اكتشاف إصابته باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) في إعادة تعريف طفولته وصقل وعيه، وكيف تحول شغفه بالقهوة إلى مهنة متكاملة تحمل عبق الثقافة والإبداع. وفي رحلة تعليمية قادته إلى بريطانيا، واجه تحديات الغربة والتكيف مع ثقافات جديدة، ليعود برؤية ناضجة وإصرار على تحقيق النجاح.
وفي عصر التحول الرقمي، يرسم الأستاذ عبدالرحمن الحازمي رؤيته لتطوير المحتوى العربي على منصة YouTube، متناولًا مكانة الصحافة الورقية في ظل زحف الإعلام الرقمي، ومقدمًا أفكارًا عميقة حول رقمنة التراث الصحفي السعودي والحفاظ عليه للأجيال القادمة.
ويُذكر أن الحازمي أصدر مؤخرًا كتابًا بعنوان (من القهوة إلى قوقل: 10 أشياء ليتني كنت أعرفها في العشرين)، يوثق فيه مسيرته الملهمة من شغفه بالقهوة إلى شراكته الاستراتيجية مع واحدة من أكبر شركات التقنية في العالم.
الطفولة الغامضة
كيف ساعدك اكتشاف إصابتك باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) في فهم تجربتك الشخصية في طفولتك وتجاوز التحديات؟ وهل كان للتشخيص المبكر تأثير مختلف على مسارك الدراسي والمهني؟
بالنسبة لي، كان اكتشاف الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بمثابة مفتاح لفهم الكثير من جوانب طفولتي التي كانت غامضة إلى حد ما. على سبيل المثال، كنت دائمًا أعاني من صعوبة في التركيز والانتباه في المدرسة، مما أدى إلى صعوبات في التعلم. التشخيص ساعدني على فهم أن هذه الصعوبات ليست بسبب قلة الذكاء، بل نتيجة لطريقة عمل دماغي المختلف. للأسف، جاء التشخيص متأخرًا نوعًا ما.
وبعد التشخيص، تمكنت من الحصول على الدعم المناسب من الأهل والأطباء. ساعدني هذا الدعم على تطوير استراتيجيات للتعامل مع أعراض الاضطراب وتحسين أدائي الأكاديمي والاجتماعي بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، ساعدني فهم طبيعة الاضطراب على زيادة ثقتي بنفسي وتقدير قدراتي وإمكانياتي.
أود التأكيد على أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لا يحدد هوية الشخص أو قدراته. بالرغم من التحديات التي يفرضها هذا الاضطراب، يمكن للتشخيص المبكر والدعم المناسب أن يساعدا الشخص على تحقيق النجاح في حياته الدراسية والمهنية والشخصية.
الشغف وقهوة الصباح
كيف اكتشفت شغفك في مجال القهوة، وما الذي دفعك لاختياره كمهنة؟ وكيف تمكنت من إدارة وقتك بين الدراسة الجامعية والعمل في هذا المجال؟ وما التأثيرات التي تركتها هذه التجارب على مسيرتك المهنية وحياتك الشخصية؟
بدأ الأمر بشغف بسيط بتذوق القهوة. كنت أستمتع بفنجان القهوة الصباحي وألاحظ اختلاف النكهات بين الأنواع المختلفة. دفعني هذا الفضول والشغف للعمل في مجال القهوة، ومع الوقت تحول هذا الاهتمام إلى شغف حقيقي. وجدت نفسي منجذبًا لكل ما يتعلق بالقهوة، من تاريخها وثقافتها إلى أسرار تحضيرها وتقديمها. كما كانت القهوة جسرًا ممتازًا لتوفير بعض المال لاحقًا لدراسة الجامعة في بريطانيا، وساعدتني خبرتي في مجال القهوة على العمل هناك أيضًا.
بالنسبة إلى إدارة الوقت، لم يكن الأمر سهلاً بالتأكيد! تطلب الأمر الكثير من التنظيم والانضباط. كنت أحرص على وضع جدول زمني يوازن بين متطلبات الدراسة في الجامعة وساعات العمل. وبلا شك، كان للعمل في مجال القهوة تأثير كبير على مهاراتي. على سبيل المثال، علمني هذا المجال كيفية التواصل مع الناس من مختلف الثقافات والخلفيات، وكيفية بناء علاقات قوية مع بعض الزبائن، إضافة إلى مهارات حل المشكلات وإدارة الوقت.
الدراسة في بريطانيا
ما الدوافع التي قادتك لاختيار الدراسة في بريطانيا، وكيف انعكست هذه التجربة على حياتك الأكاديمية والشخصية خلال سنوات الغربة؟ كما نود أيضًا أن تشاركنا تفاصيل رحلتك في تعلم اللغة الإنجليزية وأثرها على مسيرتك الدراسية؟
اخترت بريطانيا لعدة أسباب، منها سمعتها العريقة في مجال التعليم، وخاصة في الإعلام. بالإضافة إلى ذلك، كانت لي تجربة سابقة في دراسة اللغة الإنجليزية هناك في عامي 2000 و2002. قررت حينها التوجه إلى مدينة مانشستر العظيمة، وحصلت على قبول من جامعة سالفورد، المعروفة بتميزها في العلوم الإنسانية والإعلام.
بدأت رحلة الغربة بتذكرة بوجهة واحدة إلى مانشستر، حيث استمرت تلك التجربة لمدة 6 سنوات. بميزانية محدودة جدًا، سكنت في أرخص سكن متاح بالقرب من الجامعة. كان السكن مكونًا من 11 غرفة مع حمامين ومطبخ مشترك لأكثر من 15 شخصًا. لا أنسى تلك الظروف الصعبة، حيث كنا نصطف للاستحمام في الصباح الباكر، وغالبًا ما اضطررت للاستحمام بالماء البارد جدًا في شتاء مانشستر القارس.
لكن رغم هذه الظروف، علمتني الغربة الاعتماد على النفس، وحل المشكلات، والتكيف مع بيئات جديدة، وهي مهارات قيمة أفادتني أكاديميًا ومهنيًا. كما ساعدتني تجربة تعلم اللغة الإنجليزية على تحسين مسيرتي الدراسية والعملية، حيث أصبحت أداة أساسية لتواصلي مع العالم.
تطوير المحتوى على YouTube
ما هي رؤيتك لتطوير المحتوى العربي على YouTube؟ وما العوامل التي تميز القنوات الناجحة وتمنحها تأثيرًا قويًا، خاصة في مجالات مثل التعليم والترفيه والثقافة؟
أعتقد أن المحتوى العربي على YouTube يمتلك إمكانيات هائلة لم تُستغل بالكامل بعد. يمكن لهذه المنصة أن تكون أداة قوية لتعزيز الثقافة العربية، ونشر اللغة العربية، وتقديم محتوى تعليمي وترفيهي عالي الجودة.
من أهم العوامل التي تميز القنوات الناجحة على YouTube:
1. القيمة الحقيقية: يجب أن يقدم محتوى القناة معلومات جديدة، مهارات مفيدة، أو تجارب ممتعة.
2. الأصالة: يجب أن يعكس المحتوى شخصية صانع المحتوى وأسلوبه الخاص.
3. الجودة التقنية: من حيث جودة الصوت، الصورة، والمونتاج، مما يجعل المشاهد يستمتع بالمحتوى.
الصحافة الورقية
كيف ترى مستقبل الكتاب الورقي والصحافة الورقية في ظل الانتشار الواسع للكتاب الرقمي والصحافة الرقمية؟
العالم يشهد تحولًا كبيرًا في طريقة إنتاج واستهلاك المحتوى، بفضل التطور التقني وانتشار الإنترنت وأجهزة الجوال. أعتقد أن الصحافة الورقية تواجه تحديات كبيرة، حيث أصبحت الأخبار متاحة على مدار الساعة عبر المنصات الرقمية.
رغم ذلك، لا أعتقد أن الكتاب الورقي أو الصحافة الورقية ستختفي تمامًا. لكل منهما جمهوره ودوره الخاص. الصحف الورقية قد تتحول إلى إصدارات أسبوعية أو شهرية، لتقديم محتوى أكثر عمقًا وجودة. وفي النهاية، القارئ هو من سيحدد مصير الورق بناءً على إقباله.
رقمنة الصحافة السعودية
ما مدى إمكانية رقمنة الأعداد القديمة للصحف السعودية وحفظها ضمن أرشيف رقمي شامل منذ بداية إصدارها؟
رقمنة الأعداد القديمة للصحف السعودية مشروع وطني وثقافي مهم للغاية .سيساهم هذا المشروع في حفظ تاريخ المملكة وتراثها الصحفي، وتسهيل وصول الباحثين والمهتمين إلى هذه المادة القيمة.
سيُساعد الأرشيف الرقمي في:
* الحفاظ على التراث الصحفي من التلف.
* تسهيل وصول الباحثين والطلاب والجمهور العام إلى الأعداد القديمة من أي مكان.
* دعم البحث العلمي بمادة غنية تغطي مجالات التاريخ، الاجتماع، الاقتصاد، والسياسة.
مشروع مثل هذا يعكس اهتمام المملكة بالحفاظ على إرثها الثقافي وتوثيق منجزاتها للأجيال القادمة.
** **
@ali_s_alq