د. إبراهيم بن جلال فضلون
المُعادلة لا يدرك أحد مرماها ولا حلها كونها لا معطيات لها ولا مُقدمات سوى غزو بُني على أطماع بقوة الأرض، كما وصفها العالم الجيوبوليتيكي (هالفورد ماكيندر): «من يحكم أوروبا الشرقية يقود الهارتلاند، ومن يحكم «الهارتلاند» يقود جزيرة العالم، ومن يحكم جزيرة العالم يقود العالم»، لكن بالحالة الراهنة يأخذ بوتين بمقولة القيصرة الروسية كاترين العظمى: «لا أملك أية طريقة للدفاع عن حدودي سوى توسيعها»، وبالتالي يضع أمام عينيه المعادلة التالية: «إذا كان النصر صعباً، فإن الهزيمة أصعب». مُعلناً أن «الهجوم على أوكرانيا هو مسألة حياة أو موت للأمة الروسية التي لم تخسر شيئاً ولن تخسر شيئاً»، فما يراهن عليه بوتين هو المشروع الأوراسي الذي يتطلب إبعاد «الناتو» عن حدود روسيا. وأن يعترف الغرب بأن أوراسيا «منطقة سيطرة روسية»، يراها البروفيسور «زبيغنيف بريجنسكي» لأنها ميزان الجزء الأوروبي من الاتحاد الروسي. وبكلام آخر، فإن أوكرانيا «جائزة إستراتيجية»، إذ هي «المفصل الذي يربط روسيا بقلب أوراسيا» بحسب البروفيسور «هال براندز» لأن «أية قوة أوراسية يجب أن تمر في أوكرانيا».
وما دل ذلك إلا عن صعوبة الخروج من المستنقع الأوكراني، وهو يعلم أن روسيا تعتمد منذ حقبة «ستالين» على القوى العسكرية الرديفة وغير الرسمية، كما استعان بقوة «فاغنر» على باخموت بثمن باهظ وبعد 15 شهراً، رغم قوة «فاغنر» النسبية في روسيا، كونها أحد أضلع الأطراف الرئيسة للدولة الروسية، لاسيما «الوكالة العسكرية للاستخبارات» GRU، والجيش، و»وكالة الدولة للاستخبارات» FSB، حيثُ مثّلت «فاغنر» استمراراً لتقليد قديم، منذ الاتحاد السوفياتي السابق حينما استخدم الكرملين قوى للحرب نيابة عنها بالوكالة في نزاعات من العالم مختلفة ويُشبه في ذلك عندما أرسل الكرملين في الخفاء قوة مُسلحة إلى إسبانيا خلال الحرب الأهلية الإسبانية»، مُعترفين بأنها تمثل «حرباً حسنة». ومن المعروف تماماً أن ستالين أرسل مستشارين عسكريين لدعم «قوات الجمهورية» في إسبانيا خلال حقبة الثلاثينيات من ق20.. وهو ما تكرر في أوكرانيا، لتُصبح القوة الأكثر وحشية بين القوات المسلحة الروسية، وتتباهي علناً بقتل «الخونة» بأفظع الطرق.. ولا ننسى قبلها ما حققته المُرتزقة الروس في سوريا، متوجهين حالياً إلى السودان التي إن لم يخرجوا منها ستكون على الأغلب مقبرتهم لوجود الخط الأحمر المصري كما حدث مع الجيش التركي في ليبيا.إذاً، إذا تركت قواتها باخموت انكشف الجيش الروسي الذي منع عنهم السلاح، وهي ترى قائدها «بريغوجين» يصيح وسط جثث وأشلاء قواته في باخموت قائلاً: «لدينا نقص 70 في المئة في الذخيرة. يا شويغو! يا غيراسيموف! أين الذخيرة، إن المسؤولين عن ذلك سيذهبون إلى الجحيم...؟» مردفاً «هؤلاء من رجال (فاغنر) الذين ماتوا اليوم، قد جاؤوا متطوعين ويموتون ليتسنى لكم أن تسمنوا في مكاتبكم «، لتعترف جزئياً بلسان ديمتري بيسكوف بأن «العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا صعبة جداً، وأن القوات الروسية نجحت جزئياً في إنجاز المهمة، ولكننا لا نزال بعيدين منها»، فهل يعني ذلك خلعاً روسيًا.. أم فطام ثُم انفصال؟!!، وقد يكون العكس صحيحاً.. إذ لا يشتهر الجنرالات الروس بولائهم لرفاقهم في السلاح.. ونتيجة لتلك المعطيات، عمد بوتين إلى أساليب غير تقليدية لكبح جماح الجنرالات. كما حدث في أوائل العام الماضي، وتشجيعهُ الـ»فونكورس»، على نشر مشكلات الجيش الداخلية أمام الجمهور.