د. إبراهيم بن جلال فضلون
«المخدرات» جعلت مني إنسانًا يائسًا، ففقدت بصيرتي وصحتي وعلاقاتي ودمرت أحلامي، وجعلت مني لا قيمة ولا حياة ولا وعي، بل ولا أمان ولا حُرية أتنسمها، بعدما كنت طليقاً كالعصفور، فصرتُ مقيد الحركة بمجتمع مُفكك حدودهُ كافة أنواع المُدمرات العقلية، ومُكبل الأيد والأقدام، لينتهي الفصل الأخير لتراجيديا كتب فصولها شباب (قضّوا عليّ) وأنا طفل أو شاب يافع، وقد تنكر لي كل أصدقاء السوء فصرتُ سجينًا وحدي، ولساني لا ينطق إلا (لا حول لي ولا قوة)، والكُل سواء أمام هذه الآفة التي لا تُفرّق بين غني وفقير وبين الأجناس والشعوب أو حتى المستويات الثقافة، ليراها كل منهم وفق رغبته في الهروب من واقعه المعيش، وكأنها أداة إغاثة يتخيلها ولو مؤقتة، وهُنا ترى وجهاً آخر للإرهاب، لكن في صورة ذهاب العقل وتدمير المجتمعات، ولا نبالغ إذا ما قلنا إنها آفة فتَّاكة في المجتمعات الإنسانية عامة؛ ووسيلة من وسائل الحرب التي تستهدف أطفالنا ومُراهقينا وشبابنا، لما فيها من الفتك بحياة مُتعاطيها جسدياً ومادياً وأخلاقياً، لذلك استبق الإسلام أزمانهُ وحرمها شرعاً وعقلاً بإجماع الأمة، كالقرافي، وابن تيمية في قوله بمجموع الفتاوى له 4/ 206: «إن من استحلَّها فقد كفر»، فضلاً عن أنها داخلة في عموم أدلة تحريم الخمر، فقال عليه الصلاة والسلام: «كلّ مُسكر خمرٌ وكُل خمر حرام»، أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
لذلك كله كان من الواجب على الفرد والمجتمع بُكل فئاته الانتباه لذلك الخطر والداء العضال الذي إن استحكم في جسد المجتمع سكن أرضه ونعت الأمة نفسها، فخطر الإدمان يقع أولاً على عاتق الأسرة التي تُشكّل 50 في المائة من أسباب نجاح العلاج إذا ما وقعوا في شرك المخدرات، حيثُ تغير كثير من سمات وملامح أبنائنا ممن انغمس منهم في آفة التعاطي بأنواعه ووقعوا تحت إغراءاته المُتعددة برضاهم أو بغير، دون إدراكهم بأنهم تحت طائلة جريمة منظمة غايتها القضاء على روح الوطن وعدته وعتاده في حرب تنتهك القواعد الصحيحة لمُجتمعنا، لتعيث فسادًا وانهيارًا للتركيبة النفسية والجسدية والعقلية للمُتعاطي حتى توصلهُ إلى عالم الجريمة بدم بارد، لذا سنت الدولة الرشيدة التشريعات الزاجرة الكفيلة بتغييب مظاهرها في المجتمع، وإقامة الحدود، وسن القوانين الرادعة لمن يُشارك في نقلها أو تعاطيها أو غير ذلك من دلالة أو إشارة أو معاونة أو إيواء أو تستّر، وذلك كله حفاظاً على الأمة ومقوماتها الدينية والدنيوية، والعمل على منع ما يُسمّى «ظاهرة الخلع»، التي يُدمرُ الإدمان ويعزل المُدمن من شبكة العلاقات الأسرية والاجتماعية، ومساعدته على استرداد الثقة بمن حوله ودمجه من خلال إعطائه فُرصة جديدة لإثبات جديته وحرصه على الشفاء والحياة الطبيعية.
لوزارة التعليم خاصة، دور حتمي في توعية طلابنا بكافة المراحل الدراسية والجامعات، عبر برامج دورية للتعريف بمخاطر تلك الافة من أنواع المُخدّرات، والممنوعات، كما فعلت مساجدنا عبر خُطباء الجمعة وبيان دور وزارة الشؤون الإسلامية في توجيه منابرها كوها ذراعاً هاماً مع وزارة الإعلام؛ في توعية الشباب وإرشاد عقولهم نحو السّلوك الإيجابي بعيدًا عن السلوكيات السلبية ومن أهمها المخدرات.. وكُل في ذلك من كافة القطاعات له دوره بين الناس ليكون الجميع جرسًا يُقرع في تلك السموم، بما يُشكل تكاملاً في الأدوار مع الجهات الأمنية.
لا ريب أن هنالك أعداداً كبيرة من الذين وقعوا ضحية الإدمان، أو ممن وقع فريسة للمروجين، وكانوا في أمسِّ الحاجة للمساعدة، وهُنا يحضرني واقع عايشتهُ لوافد سوري كل ما أعرفهُ عنه الورع والتقوى والصلاة في المسجد، مما جعل المحيطين به أو من يعرفونهُ في ود لهُ، حتى طلب منهُ أحد رُفقاء السوء أن يأخذهُ في سيارته الجديدة ليوصلهُ لمكان ما، وبسلامة النية خرج معهُ دون أن يعلم أن رفيق السوء تاجراً للمخدرات فقبضوا رجال الأمن عليهما، وظلت قضيتهُ بيد العدالة سنوات كون الأمر يتصل بآخرين خارج الدولة وتُلاحقهم الأجهزة الأمنية، لكن أخينا هذا وقع فريسة وتحطمت أحلامهُ وترك وظيفتهُ ولعن اليوم الذي عرف فيه ذلك الرفيق، متمنياً الخروج من الدولة والعيش بعيداً في بلده كونهُ وحيد أمه وأبيه، وبعد ما لا يقل عن ست سنوات هلك فيها برأتهُ عدالة الدولة وأجهزتها، وخرج ولم يعد لكنهُ لم ولن ينسى الدرس، فلينتبه الجميع، وليتكاتفوا مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني للقضاء على ظاهرة المخدرات ومحاصرتها قبل أن تتغلغل كالسوس فينا، ودراسة الحالات التي وقعت فريسة، ومعالجة كل مدمن قادته خطواته السيئة نحو عالم المخدرات المظلم.
أثق في أجهزتنا المعنية المُتضافرة بقيادة وزارة الدّاخلية بأجهزتها الأمنية المختلفة التي تُحيط بنا وتذود عنا أمثال هؤلاء الفاسدين، ونحنُ نتابع بكلّ الفخر واعتزاز الأخبار المُبشّرة لنتائج الحملة جبارة ضدّ المخدّرات ومروّجيها، لنعيش في وطن بلا مخدرات، بلا مُدمنين، بلا فاسدين، من أجل حماية وصون تراب هذا الوطن الغالي، وأمن مواطنيه والمقيمين فيه وزوّاره، من أيّ خطر يتهدّد أمنهم وسلامتهم، فحفظ الله قيمنا الدينية والمُجتمع، ورؤية مملكتنا الحالمة.