د. إبراهيم بن جلال فضلون
جماعة أنبتت خراباً، أجل تطرفت وأفسدت، ولا ولن تتوقف عن مُحاولة زرع الفتن بأي مكان بالعالم ونشر الفوضى بدم بارد قتلاً وإرهاباً، ولن يتوانوا عن ذلك حتى الموت الذي لن يغفر لهم فساد الأرض حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض، وكأنهم وكُلهم هابيل حينما شهقت الأرض بدم أخيه قابيل.. عدا اختلاف واحد أن قابيل صارح هابيل وقال: لأقتلنك، وأنت الذي جعلت الله يغضب عليّ، وأنت وأنت ...، فجعله سبب كل المصائب التي حدثت له، فقتلهُ.. لكن الإخوان وميليشياتهم لم يُحذروا ولم يُصارحوا الأبرياء، بل عمدوا للإرهاب والقتل والاغتيالات دون سابقة إنذار، وقد يغفر السودانيون للسياسيين فشلهم أو لغيرهم، وقد يعفون عن كل المقصّرين في حقهم، لكنهم لن يسامحوا أو يغفروا لعناصر التنظيم الدولي من الإخوان (المُصنفة إرهابية في أغلب الدول)، على ما ارتكبوه في حقهم وحق مجتمعهم المسالم، بتأجيج نار الفتنة وإشعال الاقتتال وتهجير أبناء الوطن، وتحويله إلى بؤرة إرهاب عالمية، طوال حكم دام 3 عقود فشل في تحقيق أي تنمية، محاولين الانتقام من الخصوم السياسيين وتعطيل المسار الديمقراطي بالإشاعات المُضللة، وتغيير المزاج السوداني المثقف والمُتسامح إلى تقبل فكر الإرهاب والانخراط فيه، أبداً، لن ينساها التاريخ.
لم يعرف المجتمع السوداني أفكار ما يُسمى «السلفية الجهادية»، والإرهاب والتطرف والتكفير والقتل على الهوية، إلا بعد تولي الإخوان الحكم في يونيو/ حزيران 1989 ، واستقدموا وكأنهُم كُفلاء لمشردي الجماعات الإرهابية والمتطرفة للتمركز في السودان حتى تنظيم القاعدة بزعم أنها دولة المستضعفين، حتى حرض عبد الحي يوسف، أحد أذرع إخوان السودان، بقتل وإراقة دماء الأحزاب المدنية (قوى الحرية والتغيير)، بل وأفتى على شاشة قناة تبث من تركيا، بقتل السياسيين من ما وصفها بـ»الأحزاب العميلة»، ولا ننسى دعوة (الترابي) «أسامة بن لادن» زعيم تنظيم القاعدة إلى التمركز في السودان عام 1989، لكن بن لادن لم يستجب. ولتُصبح «الجبهة الإسلامية القومية» و»تنظيم الإخوان» وجهين لعملة واحدة، فتبرأ الجيش السوداني من أي جماعة أو حزب، يحاول «الانقضاض على السلطة»، كما تبرأ منهم الفراعنة المصريون والعالم،
كل ذلك تسبب في صدور 63 قراراً من مجلس الأمن الدولي حول السودان معظمها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفي النهاية تحولت السودان لدولة «راعية للإرهاب»، ودفع الشعب الثمن.
فعندما تتصارع الأفيال على رقعة إفريقيا السمراء، تعاني الحشائش وحدها مرارة الصراع على مسرح العمليات الدولية وأقطابها المتصارعة على خيرات السودان وذهبها، حتى مجموعة «فاغنر» الروسية، وفق وثائق استخباراتية سرية أميركية مسرّبة، وأكدها مؤسسها «يفغيني بريغوجين»، أنها تسعى لإنشاء «كونفدرالية» تضم الدول المعادية لأميركا وأوروبا على ساحات حشائش ومراعي أفريقيا.
تبدو فاغنر اليوم، حضوراً روسياً بالوكالة، في ثماني دول إفريقية، من بين 13 دولة بالعالم، امتد نشاطها من أمن حماية الأنظمة ودعم الجيوش، حتى وسعت أنشطتها مؤخراً إلى التعدين وتأمين القوافل ومراقبة الجمارك، وبالتأكيد شكل ذلك بلا ريب مصدر قلق للقطب الأمريكي العاجز حالياً عن حماية العالم وحدوده، لتتضاءل رقعته ويخسر حشائشه حرقاً ونهباً وسلباً وموتاً أمام الأقطاب الأخرى لاسيما الصين والروس. فالحرب أسهل من السلام، والخصومة الأساس لاشتعال النيران، والقطيعة حل دائم لسكب الزيت على النار، ولا عجب أن منطقتنا تنكوى من تجارب تلك الحروب والأزمات ولم تستفد إلا بالنهب لا غير وما منا العراق وسوريا وليبيا ولبنان ببعيدة.
إن السودان يتقلب على جمر من نار الفوضى ولهيب الحرب الأهلية، وكلاهما عنوان لتنظيم الدولة الإرهابي، وفتح أبواب التدخلات الخارجية، إقليمياً ودولياً، فتزداد الأرض سخونة ورعونة تتعقد فيها مشاهد وطن يأمل أن يخرج من أزمته ولو جريحاً لا مقتولاً..