د. إبراهيم بن جلال فضلون
تختنق الخرطوم تحت الركام والبارود... متحولة في جسد من الأشباح حتى في بيت الرايات البيضاء وإغلاق المستشفيات، فقد قرأت مقالة بصحيفة «إيست أنجليان دايلي تايمز» East Anglian Daily Times كتبها بول غيتر، بين سطورها كان يندب مصير شعار «انظر شرقاً». ويعني ضرورة التنبه إلى ما يحصل في الأمكنة كلها، لاسيما في هذا الجزء من العالم، لكني تساءلت كغيري ممن يندبون حظ السودان فهل أنا الشخص الوحيد الذي طفح كيله من سماع (الأخبار عن أهوالها) عندما أنظر من مكاني بأرض الحرمين الشريفين جهة البحر الأحمر غرباً أتألم كمداً ومن مصر لجنوبها أتوجع غمّاً وحزناً، ومن العالم العربي ككل أكاد أفارق الحياة لما فيها من مشاهد مؤلمة مفجعة، بدولة إقليمية قوية بين جوانب الوطن العربي، وهو ما يتعارض وبصورة مباشرة مع مصالح الغرب في الشرق الأوسط وإفريقيا.
جثث منتفخة لا يجد من يواري سوءاتها كما أمر رب العباد، حتى استغاث الحي منها، بعد أسبوعين تخللتهما أربع هُدن لم تتوقف فيهما النيران. حرب حولها الدعم السريع وشخصنة (دقلو) إلى حرب جوالة تطوف الأحياء، لا تطال إلا الأبرياء والشعب حائر، أين يذهب؟، إلى الحدود فلا مفر، وحتى الذي يحيا يخشى البقاء ولا يجد رغيف الخبز ورشفة ماء، وكل الخدمات خارج الخدمة، ماتت فيها مظاهر الحيوية والحياة وباتت تختنق بسخام مخلفات الحرائق هنا وهناك، لتتلاشى معالم الخرطوم التي تشوهت بفعل القصف أو تحولت إلى حطام هياكل تفحمت، حتى نسي العالم ما يحدث هناك في العالم الروس الأوكراني وحربهما، وقد شغلت السودان أرجاء العالم الآن، لماذا؟. لما فيها من ثروات والغرب طامع فيها بل وبلدان لا ريب في مكرها وخداعها كاليهود وعالم الماسونية، حتى فاغنر تحاول الدخول في تلك الحرب إضافة إلى التنظيم الدولي للإخوان وجماعات الإرهاب في الصومال وغيرها، وكفى الغرب ما سلب من حرياتها، فعملوا على تفتيت الأرض السودانية وأشعلها بالحروب الأهلية، وأضعف قوة جيشها، ونهبوا خيراتها.
إنها صاحبة المرتبة العاشرة بين بلدان العالم الأكبر مساحة، وتتنوع الأقاليم المناخية فيها وتتنوع الثروات الطبيعية التي يزخر بها من المقومات الطبيعية والثروة الحيوانية والسمكية والمعدنية التي يمكن أن تتضاعف أضعاف ما هي عليه الآن إذا توافرت لها الإمكانيات والرعاية، ناهيكم عن التمويل المالي حيث النفط ومشتقاته التي تقدر الإحصائيات احتياطيها النفطي بحوالي مليار ومائتي مليون برميل معظمها من الجنوب والغرب، وحدودها مع تسع دول والبحر الأحمر بسواحله الكبيرة، لدرجة أن البعض يرى أن السودان يعتبر قارة تسكن دولة، وهو ما جعلها مطمعاً للدول الغربية والخارجية حتى المنظمات الدولية ومليشياتها الإرهابية والخفية، التي تريد أن يكون لها نصيب الأسد من تلك الثروات الجمة بل والمتحركة في السودان بلا توقف، وهُنا تراودني فوراً عبارة لسياسات المُستغلين «اقطع واحرق»، وهنا يَكمُن الخطر، أليس كذلك؟.
إنها محنة طويلة، وسيتجاوزها شعب أَبيّ مسالم وطيب بكل طوائفه (مسلمين ومسيحيين ووثنيين وغيرهم)، فحفظ الله السودان بعروبتها، وأزال الله غمتها.